ليس الوضع الصحّي في البلاد، وحده الذي خرج عن السيطرة. بل انعدام الآفاق حول تشكيل حكومة جديدة منتجة، سيخرج البلاد بأكملها عن السيطرة ومعها الإقتصاد والأمن. فالصورة السوداوية قد تصبح اكثر سواداً وانهياراً، ما يطرح تساؤلات حول السيناريوات التي قد نشهدها في العام الجديد.
بين الإقفال بسبب تفشّي كورونا والأزمة الإقتصادية مروراً بالفقر المتزايد وضعف القدرة الشرائية وتراجع الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي في السوق السوداء، أصبح المواطن اللبناني يعيش على وقع الأحداث التي تتحكّم بيومياته.
فمن جهة، تفشّي وباء كورونا وخروجه عن السيطرة دفع اللجنة الوزارية الى أخذ قرار الإقفال بدءاً من يوم غد، وذلك للحدّ من انتشاره، ولإعطاء المستشفيات القدرة على التنفس في ظل وصول نسبة الإشغال الى 90% وعدم توفّرالأسرّة لتلقي العلاج. ومن جهة أخرى هناك مخاوف على الوضع الإجتماعي للمواطن مع تردّي القدرة الشرائية بفعل استغلال بعض التجّار لارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء، وتراجع قيمة الليرة وإنسداد الأفق السياسية لحلّ يسمح بتشكيل حكومة قادرة على الإنقاذ.
هذه المُعطيات إضافة إلى توقعات بإمتداد الأزمة السياسية والفراغ الحكومي إلى فترات طويلة من الوقت تُنذر بتردٍّ أكبر للوضع الإقتصادي والنقدي والإجتماعي. فرفع الدعم الذي هدّد اللبنانيين بالفقر تأجّل ستة أشهر إضافية بعد تصريح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن توفّر ملياري دولار أميركي قابلة للإستخدام بعد أن كان موعد نفاد الإحتياطي نهاية العام المنصرم. إضافة إلى ذلك، ينتظر المراقبون أواخر شباط لمعرفة مصير تعميم مصرف لبنان الأساسي رقم 154والذي سيُشكّل (في حال طُبّق) تغييراً جوهرياً في مشهدية القطاع المصرفي.
أمام كل هذه المُعطيات تُطرح تساؤلات عن السيناريوات المُحتملة التي سيواجهها لبنان في المرحلة المُقبلة. الباحث الإقتصادي البروفسور جاسم عجاقة طرح لـ “نداء الوطن” ثلاثة سيناريوات:
السيناريو الأول تشاؤمي وهو عبارة كما اوضح “عن ترابط الأحداث السلبية مع عدم تشكيل حكومة أو تأليف حكومة لا تستوفي الشروط الدولية المطلوبة. هذا السيناريو يؤدّي إلى إستمرار المسار الإنحداري للوضع الإقتصادي، والنقدي، والمالي، والإجتماعي إلى مستويات تُصبح معها السيطرة على الغضب الشعبي صعبة جداً وهو ما قد يقود إلى فوضى أمنية”.
وعلى صعيد الأرقام، اعتبر ان “هذا السيناريو سيؤدّي إلى تراجع النمو الإقتصادي الحقيقي بنسبة تفوق الـ 8% (وقد تكون أكثر مع سيناريوات أمنية خارجة عن السيطرة) وزيادة في نسبة الفقر إلى حدود الـ 70% وأكثر من 80% في حال تمّ رفع الدعم المُقدّم من قبل مصرف لبنان. أيضاً وفي ظل هذا الواقع من المُنتظر أن يستمرّ تراجع الليرة اللبنانية أمام المضاربة الشرسة التي يقوم بها المضاربون وأمام حجم طبع العملة الذي يذهب إلى تغطية طلبات المودعين وعجز الدولة. وبما أن هناك غياباً للمراقبة المُشدّدة على المخالفين، فإن سقف الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية في السوق السوداء قد يرتفع إلى مستوى سيسقط معه الإستهلاك إلى مستوياته الدنيا!”.
سيناريو تفاؤلي
يرى عجاقة في السيناريو الثاني التفاؤلي اذا ما تحقّق أنه “سيتمّ تشكيل حكومة تستوفي الشروط المفروضة من قبل المجتمع الدولي. وهنا ستعمد هذه الحكومة إلى القيام بإصلاحات ضمن مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي وهو ما سيسمح بإدخال الدولارات إلى القطاع المصرفي وتحرير قسم من أموال “سيدر”، وبالتالي فإن تراجع النمو الإقتصادي الحقيقي لن يتخطّى نسبة الـ 2% (بسبب تفشي كورونا بالدرجة الأولى) والعودة إلى نمو حقيقي إيجابي بأكثر من 2% في العام 2022. ويضيف: “أيضاً من المتوقّع أن يتمّ لجم التدهور الإجتماعي وخصوصاً دينامية الفقر التي تطوّرت سلبياً بشكل سريع تخطّى التوقّعات. كما سيتمكّن لبنان من وضع موازنة للعام 2022تُترجّم الإصلاحات والواقع المالي العام للدوّلة اللبنانية مع بدء التفاوض مع مقرضي الدولة”.
استمرار تآكل الإقتصاد
يبقى السيناريو الثالث وهو “ستاتيكو” كما يرى حيث سيستمرّ “تآكل الوضع الإقتصادي والإجتماعي مع عناية دولية كي لا تؤول الأمور إلى حدّ فقدان السيطرة على الوضع. وهذا الأمر قد يستمر إلى فترة طويلة إلى حين تبدّل في المُعطيات الإقليمية والدولية وبالتالي سنشهد هجرة كبيرة مدعومة بتفشّي جائحة كورونا التي ستخرج عن السيطرة كلياً في ظل ضعف الدولة المالي والذي سيمنع دعم المؤسسات الصحية والشركات المُتضرّرة. بالطبع سعر صرف الدولار وخسائر الدولة المالية سترتفع مع مرور الوقت”.
وبالنسبة الى الأرقام السلبية التي دوّنت في دفاتر العام 2020، قال عجّاقة إن “العام الماضي سجّل الكثير من الأرقام السيئة على الصعيدين الإقتصادي والإجتماعي حيث تخطّى الفقر عتبة الـ 55% بحسب أرقام البنك الدولي، ووصل الفقر المدقع إلى نسبة 23% تحت وطأة تراجع الدخل الفردي من 7600دولار أميركي في العام 2019إلى 2700دولار أميركي في العام 2020. فضلاً عن تراجع الناتج المحلّي الإجمالي من 55مليار دولار في العام 2019إلى 19 مليار دولار أميركي في العام 2020وهو أكبر تراجع تاريخي للإقتصاد اللبناني.