ما هي خيارات “حكومة الطوارئ” لإخراج الإقتصاد من العناية الفائقة؟

بُحَّت الحناجر محلياً ودولياً مناشدة بالإصلاحات، ولكن لا حياة لمن تنادي. آذان السياسيين صمّاء وأذهانهم متحجّرة، لا تأبه لا للجوع ولا للفقر ولا للبطالة ولا لوجع الناس المتأثرة بشحّ الدولار وبجائحة كورونا التي تحاصرنا وبانفجار مرفأ بيروت الذي اجتاح البشر والحجر، والذي تقدّر خسائره على الإقتصاد بـ 15 مليار دولار “اذا مش أكثر”، فأباد ما تبقى من القطاعات التجارية والسياحية البيروتية… المناضلة في معركة البقاء. ماذا بعد، وما هي السيناريوات المطروحة أمامنا اليوم، بعد استقالة الحكومة للتمكن من كبح الإنهيار والنزيف المستمرّين؟

ليس جديداً القول إن حكومة الطوارئ المنتظرة اليوم في أسرع وقت ممكن، هي تحت المجهر الدولي، لتحقيق صدمة إيجابية من شأنها إعادة الثقة ووضع حدّ للإنزلاق المستدام. ويعتبر نائب حاكم مصرف لبنان السابق سعد عنداري خلال حديث مع “نداء الوطن”، أن “لبنان اليوم مقبل على وضع صعب اقتصادياً واجتماعياً حتى إجراء الإنتخابات الأميركية”. بعدها من المرتقب أن تحلّ مشكلة البرنامج النووي وتستكمل التسوية الأميركية، بغض النظر عمن سيفوز في الإنتخابات، الأمر الذي سيريح لبنان كونه جزءاً من تلك التسوية”.

خياران

وبانتظار حلول تلك التسوية، نقف في لبنان اليوم أمام كارثة إنسانية وإقتصادية وأضرار لثلث أبنية بيروت إضافة الى تدمير المرفأ واتساع رقعة البطالة والفقر والجوع، واستنزاف إحتياطي مصرف لبنان، وفي السياق، يشير عنداري الى أنه “لا بدّ من سلوك أحد الخيارين التاليين المتاحين أمامنا:

– أولاً، الخيارات السياسية للنهوض بلبنان والتي هي بيد اللبنانيين، الأمر الذي أكّده رئيس جمهورية فرنسا إيمانويل ماكرون خلال زيارته للبنان، اذ قال إن الحلّ لبناني. فإذا كان الخيار، حكومة وطنية من السياسيين كما يُحكى الآن، بغض النظر عما اذا حظيت بدعم كلّ أو بعض المجتمع الدولي، فهي محكومة بالمحاصصة وستكون نهايتها شبيهة بسابقتها. وتعني عملياً استبدال البديل (Proxy) بالسياسي الأصيل، ويفضي هذا الحلّ الى حماية الطبقة السياسية من دون معالجة جذور الأزمة. فتلك الحكومة لن تستطيع تنفيذ النقاط الإصلاحية المطلوبة بسبب عدم حيازتها الثقة. فمنذ شباط لغاية اليوم لم تذكر “حكومة دياب” كلمة إصلاحات، واقتصر همّها على بند الشروع بالتدقيق الجزائي لمصرف لبنان والإقتصاص من شخص حاكم “البنك المركزي”.

– ثانياً، السياسيون أصبحوا في وادٍ وغالبية الشعب الممثّل في الحراك المدني في وادٍ آخر، من هنا “الخيار الملحّ الذي لا بديل عنه هو للشعب، وتكليف شخصية مستقلة تتمتّع بثقة الداخل والمجتمع الدولي. فتقع التسمية على نخبة من الخبراء في الوطن والمهجر، وتضع برنامج طوارئ يمسك بالملفات الملحّة ويعالجها فوراً بحريّة مطلقة”.

برنامج الطوارئ

ويوضح عنداري أن “برنامج الطوارئ يكون ذا شقين: الأوّل يعالج نتائج الإنفجار والثاني يعالج الملف الإقتصادي الملحّ”.

بالنسبة الى معالجة نتائج الإنفجار، يجب أن يشمل النقاط التالية الملحّة:

1- التحقّق من نتائج مسح الأضرار ووضع تقديرات واقعيّة لها بالتعاون مع البنك الدولي، بعد طلب المساعدة منه.

2- تأهيل المرفأ واستخدام بدائل عنه موقتاً، مثل مرافئ طرابلس وصيدا وصور لاستيعاب ورشة العمل الكبيرة المتوقعة وايجاد بديل موقت عن الإهراءات.

3- تشكيل خليّة عمل ممثّلة من الدول المانحة والبنك الدولي، كنتيجة لاجتماع باريس الذي خلص الى المباشرة والإشراف على عملية إعادة الإعمار وتقديم المساعدات الموعودة.

أما في الشقّ الإقتصادي فيتضمن سيناريوين اثنين، الأوّل، في حال تشكيل حكومة مستقلة، لا بدّ من إجراء الأمور التالية:

1- إستكمال ملفّ ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل برعاية الأمم المتحدة.

2- دعوة شركات الكونسورتيوم الدولي “توتال” و”نوفاتيك” و”آني” بعد الترسيم الى معاودة التنقيب والتوسّع بخاصة في البلوكين 4 و 9.

وعن أسباب اختيار هذين البلوكين، فإن البلوك 4 لم يستكمل التنقيب فيه والمؤشرات غير المعلنة تشير الى توفّر غاز بكميات تجارية فيه. أما البلوك 9، فيظهر أنه “في جنوب غربه وعلى بعد كيلومترات معدودة، هناك حقل غاز يحمل إسم “ظُهُر” وهو الأكبر في البحر المتوسط، اكتشفه المصريون منذ أكثر من عام، ويتضمّن كمّيات من الغاز تقدّر بمليارات الدولارات، من هنا ضرورة انتهاء ترسيم الحدود للانتقال الى التنقيب في البلوك 9″.

3- تشكيل لجنة للتفاوض الفوري برعاية صندوق النقد الدولي مع الدائنين بغية إعادة جدولة الدين الذي علّقته الحكومة السابقة يوم استحقاق سندات اليوروبوندز في 7 آذار، وفي تلك الحالة سنحظى بمساندة المجتمع الدولي ما سيرفع درجة تصنيف لبنان الإئتماني الذي انخفض الى أدنى مستوى له لدى مؤسسات التصنيف الدولية مثل “موديز” و”ستاندرد أند بورز”، هكذا ستتحسّن الخطوط الإئتمانية مع البنوك المراسلة، ويستعيد لبنان عافيته”.

ويجب أن تتألف اللجنة من ثلاثة ممثّلين، أحدهم عن وزارة المال وآخر عن مصرف لبنان إضافة الى مستشار قانوني مالي دولي، ونقطة على السطر”.

ويضيف: “على لجنة التفاوض الإنضمام الى البنك الدولي لتحديد أولويات برنامج الإصلاحات ووضع جدول زمني وآلية تنفيذه. في حال تحقّق البنك الدولي من جدية الأمر، عندها ننتقل الى مرحلة إحياء مقرّرات مؤتمر “سيدر”.

4- وضع آلية تمكّن الحكومة الجديدة من الإشراف مباشرة على المرافئ البحرية والبرّية والمطارات، الأمر الذي يعتبر مطلباً دولياً ايضاً.

5- إبرام الإتفاق الذي سبق للمملكة الأردنية الهاشمية أن عرضته على لبنان منذ سنة لاستجرار الكهرباء وتزويدنا بـ 250 ميغاواطاً من الطاقة أي ما يعادل ثلث الذي توفّره بواخر إنتاج الكهرباء وبكلفة أقل بنسبة 23% من كلفة إنتاج الطاقة الكهربائية في لبنان أي بكلفة 2.5 سنت للكيلواط الواحد مقارنة مع 11 سنتاً هي الكلفة الحالية التي نسددها. بذلك يتمّ وضع حدّ لمعضلة الكهرباء، ويصار الى تنفيذ مذكرة التفاهم مع الأردن.

6- تبنّي الدولة برنامج صندوق “سيدر أوكسيجين” الذي عملت عليه في مصرف لبنان، وأطلق للنهوض بالإنتاج الصناعي. فالصندوق يحتاج الى 750 مليون دولار لاطلاقه وهو مبلغ قليل يمكن توفيره خلال اسابيع، نظراً الى الفائدة التي ستعود منه على الصناعيين. فهؤلاء يحتاجون الى تمويل رأس المال التشغيلي أي المواد الأولية، اذ لكل 100 دولار إنتاج صناعي تحتاج المصانع الى 30 دولاراً منها مواد أولية الأمر غير المتوفّر حالياً في لبنان. لذلك عبر “صندوق سيدر أوكسيجين”، يرتفع الإنتاج الصناعي المحلي الذي انخفض بنسبة 80% الى 13 مليار دولار خلال الأشهر المقبلة، ما يخلق فرص عمل للشباب اللبناني ويخفض مقابل ذلك من نسب البطالة ومن حجم الإستيراد من الخارج.

وعن فرضية تأخير تشكيل حكومة وهو السيناريو الثاني، يؤكّد عنداري “اننا سنشهد المزيد من الجوع والبطالة ومن تدهور الوضع الإقتصادي والمالي. من دون أي حلول جذرية للضيقة التي نرزح تحتها”.

ويلفت الى “الحاجة لحكومة مصغّرة لا تتخطى عشرة وزراء، لم تلطّخ أيديها بملفات المحاصصة وقادرة على التفاوض مع المجتمع الدولي والدائنين”.

ماذا عن الدولار ؟

“الدولار يعكس الإداء الحكومي” يقول عنداري، ويضيف “اذا تمّ تشكيل حكومة وطنية من الطبقة السياسية الحاكمة، فلننسَ أنه لدينا دولار وأننا قادرون على استعادة النشاط الإقتصادي، بل على العكس سيتحقّق الإنهيار الكامل”.

إذاً، حلّ واحد لا ثاني ولاثالث له، حكومة مستقلّة تحظى بالثقة الداخلية والخارجية. وبالإنتظار، مزيد من المآسي سيشهدها اللبنانيون ومزيد من الهجرة العشوائية في بلد لا أمن فيه ولا فرص عمل ولا آفاق لتحسّن الوضع بل مزيد من التأزّم والمآسي، في ظلّ ملازمة الطبقة الحاكمة كراسي السلطة.

 

مصدرباتريسيا جلاد - نداء الوطن
المادة السابقةقمح باريس يتراجع بعد زيادة مع ترقب نتائج مناقصة جزائرية
المقالة القادمةباحثون يطورون تطبيقا على الهواتف يكتشف المستخدم المخمور