ماذا بين ثبات الدولرة وتثبيت سعر الصرف؟

في الثمانينيات، ترافق انهيار سعر الصرف الوطني مع ارتفاع سعر الدولار من 2.25 ليرة لبنانية عام 1972 إلى أكثر من 2850 ليرة عام 1992، قبل أن ينخفض تدريجياً، من نهاية عام 1992 حتى تمّ تثبيته عند 1507.5 ليرة منذ عام 1997… وذلك مع ارتفاع معدل دولرة الاقتصاد من حوالى 25% من الودائع عام 1972 إلى أكثر من 86% عام 1987، لينخفض تدريجياً الى حدود 67% في سنوات الاستقرار، ثم ارتفاعه ليصبح اليوم حوالى 80%.

إلّا انّ خصوصية الأزمة الحالية تختلف أيضًا عن الثمانينيات، إذ لم تعد دولرة الودائع تحمي أصحابها، بعد أن وظفت المصارف أكثر من ثلثيها بين الاكتتاب بسندات خزينة الدولة بالدولار والأوروبوند، واشترت بالجزء الأكبر شهادات إيداع مصرف لبنان بالدولار، لتعزيز إحتياطاته بالعملات الأجنبية…

كما أنّ الدولرة جعلت أي أداة استقرار قائمة على ضبط عرض النقود بالليرة اللبنانية غير فعّالة، وأدّت إلى اعتماد الاستقرار القائم على تثبيت سعر الصرف، بالتدخّل المستمر لـ»دعم» سعر صرف العملة الوطنية. لكن الحفاظ على هذا «الاستقرار» كان يتطلب دائمًا توفير عنصر احتياطي العملات الأجنبية لمصرف لبنان، للحفاظ على هامش تدخّله في سعر الصرف في السوق، الأمر الذي تطلب جذب ما يكفي من الدولارات من الخارج، وتحقيق فائض في ميزان المدفوعات (من خلال مجموع فائض تقليدي في ميزان الرساميل، يفترض أن يعوّض عجز الميزان التجاري في بلد يستورد 80% من إستهلاكه).

من هنا، يتبيّن دور تدهور ميزان المدفوعات منذ عام 2011، والنفاد التدريجي لاحتياطيات العملات الأجنبية، ما أدّى إلى اندلاع الأزمة في تشرين الأول 2019، والانهيار الحاد بسعر الصرف، بعد السيطرة على السعر الرسمي إلى مستوى USD / LBP 1507.5 منذ عام 1997

من هنا، وبعد سقوط نظام ربط الليرة اللبنانية بالدولار الأميركي على أساس التدّخل المستمر للمصرف المركزي للحفاظ على سعر صرف رسمي، لم يعد يأخذ في الاعتبار مجمل المؤشرات الماكرو اقتصادية، لا سيما منها ميزان المدفوعات، في ظل الدولرة الجزئية، ما يدعو للتطلّع صوب خيارات بديلة أكثر فعالية لاستعادة الاستقرار بالمعطيات الحالية..

مصدرجريدة الجمهورية - د. سهام رزق الله
المادة السابقةنمو الفائض التجاري لمنطقة اليورو رغم التراجع الصناعي
المقالة القادمةصفير: معظم البنوك ستلتزم بتوجيهات “مصرف لبنان”