بعد أكثر من عام على اتخاذ الدولة اللبنانية عبر هيئة القضايا في وزارة العدل صفة الطرف المدني في الدعوى التي يحقق فيها القضاء الفرنسي في قضية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، طلب حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري من السلطات الفرنسية رسمياً إدخال المصرف المركزي كطرف مدني في الدعوى. وبحسب مصادر مطّلعة، فإن قرار منصوري المتأخر بالدخول في الدعوى جاء بعد استشارة أحد المحامين المتخصصين في تبييض الأموال في فرنسا، الذي نصح بالقيام بهذه الخطوة. وبعد عرض الأمر على المجلس المركزي، أيّد الأخير التعاون مع القضاء الفرنسي وتزويده بكل المستندات المطلوبة للتحقيق، وهو ما سيمكّن القضاة من توثيق مخالفات لم يكن في وسعهم الوصول إليها سابقاً.
وحول الجهة التي ستستفيد من الأموال والأصول المصادرة بعد انتهاء محاكمة سلامة، عقب دخول مصرف لبنان الى الدعوى كطرف مدني إلى جانب الدولة، لفتت مصادر قضائية إلى أن «الذمة المالية لمصرف لبنان مختلفة عن ذمة الدولة. ففي حال تبيّن أن الأموال المصادرة مصدرها عمليات تبييض أموال أو إثراء غير مشروع تصادر لمصلحة الدولة اللبنانية، وهو ما ينصّ عليه قانون تبييض الأموال بشكل واضح. أما إذا تبيّن أن الأموال المبيّضة مختلسة من أموال مصرف لبنان، فإنها تعود إليه حتماً».
وفي هذا السياق، ثمّة جزء من التحقيق الفرنسي يتعلّق فعلاً بالتصرف بأموال مصرف لبنان عبر استئجار وشراء شقق داهمتها الشرطة الفرنسية في تشرين الأول 2021. إذ تبيّن أن إحدى هذه الشقق المملوكة من صديقة سلامة، آنا كوزاكوفا، مستأجرة من قبل المصرف المركزي ببدل إيجار شهري يبلغ نحو 35 ألف دولار تحت عنوان الحفاظ على الداتا وخلق مركز احتياط للمصرف في حالات الطوارئ. ويرتبط اسم منصوري بهذا الجزء من التحقيق، خصوصاً أنه غطى نوعاً ما هذه المخالفة عند ترؤسه اجتماع تحديد آلية تشغيل المركز بعد 10 سنوات على اسئتجاره، وبعدما بلغت قيمة الأموال المدفوعة لقاء استئجار مترين في الشقّة بين عامَي 2011 و2021 نحو 5 ملايين دولار، قبل أن تحدّد مهام هذا «المركز» وآلية تشغيله. إذ وقّع منصوري بصفته النائب الأول للحاكم على محضر اجتماع ترأّسه حول جدوى استمرارية المركز في باريس نظراً إلى التكاليف التي يتكبّدها المصرف، بحضور مدير مديرية القطع والعمليات الخارجية نعمان ندور ومدير مديرية المعلوماتية علي نحلة ومدير مديرية المحاسبة محمد علي حسن، وخلص المجتمعون الى عدم إمكانية الاستغناء عن المركز والحاجة إليه أكثر من أيّ وقت مضى.
في موازاة ذلك، وفي وقت يبدي فيه كل المسؤولين اللبنانيين تجاوباً إزاء التحقيقات الأوروبية، بما فيها الفرنسية، سألت مصادر متابعة عن السبب وراء عدم دخول مصرف لبنان طرفاً في الدعوى المقدمة من قبل الدولة اللبنانية ضد سلامة في لبنان، وعدم تجاوبه مع طلبات القضاة بالحصول على معلومات ومستندات، ومنها حول ملف شركة «أوبتيموم» والتحويلات التي تمّت عبرها الى مصرف لبنان وقدّرت قيمتها بنحو 8 مليارات دولار.
وبعدما سبق أن رفض سلامة تسليم هذه المعلومات الى شركة التدقيق «ألفاريز أند مرسال»، ما الذي يحول دون تسليم منصوري الداتا الى القضاء لإعادة تحريك الملف، خصوصاً أن التحقيق اللبناني دخل في غيبوبة مع تنحّي كل قاضٍ يوكل بالتحقيق، وهو ما حصل أخيراً، إذ تنحّت القاضية زلفا الحسن التي كلّفها القاضي أيمن عويدات بمتابعة ملف دعوى الدولة اللبنانية ضدّ سلامة بعد تقدّم وكيل الحاكم السابق بدعوى مخاصمة بحقها لاتخاذها قراراً بوضع اليد والنظر في الملف سندا الى قرار تكليفها. وهكذا، يواصل سلامة مخاصمة كل القضاة الذين يتجاوبون بسهولة مع طلبه ويتنحون بسبب سوء استخدام الحاكم للقانون، رغم قدرتهم على المتابعة. إذ أبدت رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة اسكندر التي تمثل الدولة اللبنانية رأياً قانونياً حول المسألة غداة تقديم وكيلي سلامة طلب مخاصمة بحق القاضية الحسن ومستشاراتها الثلاث، أبطلت فيه سبب المخاصمة «لأن الهيئة لم تتصرف بعد ولا اتخذت أي قرار، وبالتالي لم يتوفر الأساس لاقامة دعوى المخاصمة، لأن الدعوى تكون معدومة بحق القاضي تبعا لانعدام وجود سببها وموضوعها». الا أنه لم يؤخذ بقرار اسكندر وأغلق الملف مجددا الى حين تعيين هيئة اتهامية جديدة سيقابلها سلامة بدعوى مخاصمة لتتنحى مجدداً… وهكذا.