مَن منا لا يستخدم محرك البحث “غوغل” في حياته اليومية، فهو وسيلة البحث الأولى بلا منازع، ويتربع على عرش الصدارة منذ مدةٍ طويلة. لكن هذا الوضع من المحتمل أن يتبدل. إذ أخذت شركة “مايكروسوفت” الأميركية زمام المبادرة رسمياً، في السباق لبناء محرك بحث مدعوم بالذكاء الاصطناعي. وأطلقت الأسبوع الماضي، الإصدار التجريبي لروبوت الدردشة “تشات جي.بي.تي” في محرك بحثها “بينغ Bing” ومتصفح الإنترنت “إيدج Edge”، معلنةً أنها التطور التالي للإنترنت. وهذا ما أقلق شركة “غوغل” لكونها خطوة قد تنزع لقب السيطرة منها.
محرك بحث خارق
أمضت شركة “غوغل” العقدين الماضيين باعتبارها المالكة لمحرك البحث الأكثر شعبيةً في العالم. ويُعدّ البحث أكبر مصدر لإيرادات هذه الشركة، وذلك بفضل الإعلانات التي تضعها مع نتائج البحث. وبعد أن دعت “مايكروسوفت” الصحافيين لمشاهدة منتجاتها الجديدة من الذكاء الاصطناعي الأسبوع الماضي، سارعت “غوغل” لإصدار إعلانات وعرض عروض توضيحيةٍ خاصة بها. بعبارةٍ أخرى، باتت “غوغل” التي تجاوزت منذ فترةٍ طويلة أدوات البحث التي تمتلكها “مايكروسوفت”، في وضعٍ حرج يفرض عليها أن تلعب الآن لعبة اللحاق بالركب.
بواسطة “بينغ” يمكن للأشخاص طرح أسئلة على محرك البحث والحصول على إجابات تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي من المصادر عبر الإنترنت. وسيسمح أيضاً بالدردشة مع محرك البحث لتحسين البحث أو تفصيله. فيما تقول “مايكروسوفت” أنه يمكنك حتى إنشاء مسار رحلة إلى هاواي أو الاستعداد لمقابلة توظيف، كل ذلك في محرك البحث الخاص بك.
حتى نتائج البحث التقليدية القديمة ستكون أفضل أيضاً، وذلك بفضل تعزيز الذكاء الاصطناعي لخوارزمية البحث، التي من المفترض أن تعرض نتائج أكثر دقة وذات صلة. وفي الوقت نفسه، سيحتوي متصفح “إيدج” الجديد على الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الشريط الجانبي الذي يمكن أن يمنحك ملخصاً لما تبحث عنه أو يساعدك في كتابة رسالة لنشرها.
فمثلاً إن كنتَ تبحث عن أشياء للقيام بها في اليابان، سترى قائمة من الروابط للمواقع التي تسلط الضوء على الأشياء التي يجب القيام بها على الجانب الأيسر، واستجابة بأسلوب المحادثة من وكيل الدردشة المدعوم بالذكاء الاصطناعي على الجانب الأيمن، مع الإشارة إلى الأحداث والمواقع والمهرجانات المختلفة والمزيد مما قد ترغب التحقق منه. إنها حقاً ميزة رائعة، ستجعل بالتأكيد البحث عبر الإنترنت أسهل بكثير من الاضطرار إلى الفرز عبر مجموعة من المواقع أو استعراض عشرات المقالات. وبالنسبة لـ”مايكروسوفت”، قد يكون هذا هو العنصر السري لإسقاط “غوغل”.
رد “غوغل” المحبط
حاولت “غوغل” الرد على إعلان” مايكروسوفت” بإعلانٍ خاصٍ بها. وفي تدوينة كتبها الرئيس التنفيذي سوندار بيتشاي، كشفت الشركة عن منافس “تشات جي.بي.تي” أسمته “Bard”، شارحةً أنه سيتم طرحه للجمهور في الأسابيع المقبلة. وزادت الشركة بأنها ستدمج أدوات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها في نتائج البحث “قريباً”.
في اليوم التالي لعروض الذكاء الاصطناعي الخاصة بـ”مايكروسوفت”، أقامت “غوغل” عروضها الخاصة في باريس. وتم تخصيص معظمها لتسليط الضوء على التطورات في ميزات البحث المرئي، بينما اكتفت بعرضٍ توضيحي سريع لـ”Bard”. وهذا بالطبع لم يكن كافياً بل ومحبط عند مقارنته بما أعلنته “مايكروسوفت”. ويبدو أنه تم الشروع به كرد فعلٍ وحسب، كي تظهر للعالم أنها لا تزال موجودةً وتخطط لدمج روبوتات محادثة معززة بالذكاء الاصطناعي في عمليات البحث.
استثمار ضخم والسخرية من “غوغل”
في حين أن “Bard” مبني على نسخة “خفيفة الوزن” من برنامج “chatbot”، تقول “مايكروسوفت” إن “بينغ” الجديد سيستخدم إصداراً أكثر قوةً من “تشات جي.بي.تي”، حيث يمكن لروبوت الدردشة فيه إطلاع المستهلكين على الأحداث الجارية، وهي خطوة تتجاوز إجابات “تشات جي.بي.تي” التي تقتصر حالياً على البيانات حتى عام 2021. وبينما تم تقديم “Bard” في منشورٍ قصير على المدونة، دعت “مايكروسوفت” عدداً كبيراً من الصحافيين إلى حدثٍ مباشر في مقر الشركة في ريدموند، واشنطن، لإظهار أن محرك بحثها الجديد يعمل بالذكاء الاصطناعي. ويشير كل هذا إلى أن إحدى الشركات تعتقد أن بحثها عن الذكاء الاصطناعي جاهز لوقت الذروة، بينما تحاول الأخرى عدم الابتعاد عن الأضواء وحسب.
وبما أن كسر “غوغل” ليس بالأمر السهل، لكونه محرك البحث الأكثر استخداماً في العالم. دخلت “مايكروسفت” في شراكة مع “أوبن إيه.آي OpenAI” واستثمرت 13 مليار دولار في الشركة. ويُعد “بينغ” و”إيدج” الجديدان من نتائج هذا الاستثمار. وعلى الرغم من أن شركة “أوبن إيه. آي OpenAI” ليست الشركة الأولى أو الوحيدة التي تنشئ روبوت محادثة نموذجياً بلغةٍ كبيرة، إلاّ أن قرارها بإصدار “تشات جي.بي.تي” للجمهور بينما أعادت “غوغل” و”ميتا” برامج الدردشة الخاصة بهما، جعلها تبدو وكأنها رائدة نظراً لتفوقه الواضح.
شركة “مايكروسوفت” على علمٍ بهذه الحقيقة، ويبدو أنها تستمتع بها كثيراً. ففي حدث الإعلان عن “بينغ”، صوبت سهامها صوب “غوغل”، حيث أعلن المسؤولون التنفيذيون في “مايكروسوفت” بتهكم أن البحث لم يتغير أو يتقدم كثيراً في السنوات العشرين الماضية. وهذا لا يعكس الحقيقة بالضرورة، لأن صفحة نتائج محرك بحث “غوغل”، التي غالباً ما تكون مكتظة بالأشرطة الجانبية والإجابات والتصنيفات والخرائط، تبدو مختلفة تماماً عن قائمة الروابط البسيطة التي كانت موجودة قبل عقدين من الزمن. ولم يكتفِ المسؤولون التنفيذيون في “مايكروسوفت” بذلك، بل أضافوا بأن الوقت قد حان لإعادة الابتكار إلى البحث.
على أيّ حال، إنّ كنتم ترغبون بتجربة “بينغ” الجديد بأنفسكم، فإن “مايكروسوفت” لديها عرضٌ تمهيدي له على موقعها، كما يمكنكم الانضمام إلى قائمة الانتظار لتكونوا من أوائل الأشخاص الذين يجربوه بشكلٍ حقيقي. إذ تقول الشركة الأميركية إنها ستطرحه في الأسابيع المقبلة للملايين من مستخدمي الكومبيوتر، فيما ستصدر نسخة الهاتف المحمول في القريب العاجل.