عملياً، تدير شبكة من الموظفين بلديّة بيروت لمصلحة متعهد «يُكوّش» وحده على معظم الأعمال في العاصمة، وعلى السلف التي يقرّها المجلس البلدي
مسلسل الفساد داخل مجلس بلديّة بيروت تتوالى حلقاته من دون أن يُحرّك المعنيّون داخل البلديّة ساكناً، وفي غياب تامٍّ للتفتيش، و«كوما» النيابة العامّة الماليّة التي تمرّ أمامها هذه الملفّات وكأنّها في عالمٍ آخر!وسبق لـ«الأخبار» أن أثارت ملف «حنفية» السلف الماليّة المفتوحة داخل المجلس، والتي حلّت بعد الأزمة الاقتصادية محل المناقصات. ورغم أنها تبدو خياراً توفيرياً مقارنةً بالمناقصات التي كانت تتم بالملايين سابقاً، إلا أنّها فتحت مزراباً واسعاً للهدر.
شركة «passe – partout» التي يملكها المتعهد خليل زيدان تستحوذ على العدد الأكبر من السلف، بالتّعاون والتنسيق مع «مافيا» من الموظفين ومن بعض أعضاء المجلس، وتُشارك في كل الأعمال من الصيانة والتشحيل والتشجير والتنظيف إلى الأعطال والإنارة… حتى تحوّل زيدان إلى «الحاكم بأمره» في البلدية، حيث «يداوم» يومياً، متنقّلاً من مكتب إلى آخر، بما فيها مكتب محافظ بيروت القاضي مروان عبّود المفتوح له متى شاء، على حد تعبيره، ويردد أمام الموظفين أن كلمته وحدها المسموعة لدى المحافظ.
وهو ما يبدو واضحاً في اعتراض عدد من المتعهدين على استبعادهم من أعمال البلديّة، إذ قدّم ناصر الحمصي، مالك إحدى الشركات التجاريّة، اعتراضاً رسمياً إلى مكتب المحافظ قبل أيام، أكد فيه أنّه يقدّم عروض أسعار بأقلّ من 50% من تلك التي يُقدّمها زيدان، «لكن دائرة الحدائق في البلديّة تقوم بتلزيم متعهّد واحد يحتكر التلزيمات»، مشدّداً على «أننا على استعداد لتقديم أعمال أفضل مما يُقدّم وبمواصفات وشروط البلدية».
ولزيدان تاريخ حافل من العمل مع البلدية عبر شركته وشركات وهمية كانت تعمل من الباطن في تنفيذ بعض التعهدات (كالريّ والتشحيل وحرج بيروت) التي ترسو في المناقصات على المتعهدين الكبار. وسبق أن تقدّم محامون بإخبارات إلى النيابة العامّة المالية في قضايا فساد وهدر للمال العام في عهد محافظ بيروت السابق زياد شبيب، كان زيدان «تحت المجهر» فيها، وتعرّض في حينه لمساءلة قانونيّة، وخصوصاً في ملف تشجير بلديّة بيروت وهدر آلاف الدّولارات على عمليّات تشجير وهميّة وتقديم فواتير وهمية بالضيافة والورود والشتول داخل مكتب المحافظ. ولذلك، كان عبّود لدى تعيينه متحفّظاً في التّعامل مع زيدان، إلا أنّ «سفن الموظفين» سارت بعكس ما اشتهى المُحافظ، بعدما قام هؤلاء بعرقلة ملفّات المتعهدين وتعجيزهم وتأخير صرف السلف، لتطفيشهم، حتى صارت شركة زيدان تحظى بكل الأعمال الناتجة من السلف في البلديّة «من البابوج إلى الطربوش» مع تسهيلات وتسريع لمعاملاته، علماً أنّ مُتابعين لأعمال البلدية يؤكّدون أنّ الأعمال المُنفّذة لا تتلاءم مع الأموال الطائلة التي تُصرف! في المقابل، عرف زيدان كيف «يرضي» الموظفين و«يكرمهم»، فيما تشير مصادر إلى أنه «يستعين بأحد الاستشاريين الذين يعملون في مكتب المُحافظ لتدعيم ملفاته بتقارير استشارية مغلوطة بهدف استحواذه على السلف».
دفع ذلك بمعظم أعضاء مجلس بلديّة بيروت إلى التّداعي إلى اجتماعٍ قبل أيّام لضبط السلف الممنوحة لزيدان، ما أدّى إلى انزعاج عدد من الأعضاء المقربين من المتعهّد، وأخرجه عن طوْره. إذ سُرعان ما قصد مقر البلديّة متوعّداً عبود ورئيس البلدية عبد الله درويش بوقف جميع الأعمال الخاصة بالبلديّة. وكعادته، وقع عبود في فخ الابتزاز، وحاول تهدئة زيدان قبل أن يعده بـ«تضبيط الوضع» بذريعة تسيير أعمال البلديّة.
في المحصلة، يتحكّم عدد من الموظفين بالتّعاون مع زيدان في مفاصل البلديّة «عالمكشوف»، فهل تتحرّك النيابة العامة المالية والنيابة العامة لدى ديوان المحاسبة للتحقيق في هذه الملفات، والتحقيق مع الموظفين مستلمي السلف والعروض والتدقيق والاستلام، أم تبقى في سباتها العميق؟