عند كتابة هذه السطور (ليلة الاثنين 14 ديسمبر/كانون الأول)، بلغ عدد المصابين في العالم بفيروس الكورونا حوالي 72.6 مليون حالة، وحوالي 1.62 مليون وفاة، بينما وصلت الحالات في الولايات المتحدة وحدها إلى 16.6 مليون حالة، توفي منهم أكثر من 300 ألف. وبالطبع، فإن هذه الأرقام سترتفع بنسبة لن تقل عن 2% يوم نشر المقال. وبما أن الولايات المتحدة، خاصة وكالة الغذاء والدواء الأميركية ،(FDA) قد وافقت، بأكثرية الأصوات، على قبول لقاح Pfizer-BioNTech المنتج من شركتي فايزر الأميركية وبيونتك الألمانية، فإن عملية التطعيم ضد كوفيد 19 قد أخذت تجري على قدم وساق. وصادف ذلك أيضاً استنفاذ الرئيس الأميركي الحالي، دونالد ترامب، كل الوسائل القانونية الممكنة، للتشكيك في نتائج الانتخابات، بعدما رفضت المحكمة العليا في الولايات المتحدة السماح بأن تنظر محكمة تكساس العليا في قضايا انتخابية، تعود صلاحية البتّ فيها للمحاكم النظيرة في الولايات التي أراد الرئيس أن يسمح فيها بإلغاء ملايين الأصوات، بحجة التدخل أو المخالفات. وهذه الولايات هي:
ويسكونسن، ميتشغان، بنسلفانيا، جورجيا. وقد بُثَّ، مساء الإثنين الماضي، في كل الولايات خبر اختبار أعضاء المجموع الانتخابي لكل الولايات الخمسين، والتي أعطت الرئيس المنتخب، جو بايدن، ونائبته، كاميلا هاريس، الأصوات بأغلبية 306 أصوات مقابل 232 للرئيس الحالي ونائبه. وسوف يُقر الكونغرس هذه النتائج، بشكل رسمي ونهائي، يوم السادس من الشهر المقبل (يناير/كانون الثاني).
تحسّن أسواق “وول ستريت”
هكذا، بدأ العالم عملياً يتأهب للتكيف مع إدارة ديمقراطية قد تتمتع بالأغلبية في كل من مجلس الممثلين ومجلس الشيوخ، ما يمنح إدارة الرئيس بايدن نفوذاً قوياً لإعادة النظر في بعض قرارات الرئيس المؤقت ترامب. وَمِمَّا رشح من أسماء للوزراء والمعاونين الأساسيين ممن ينطبق عليهم لقب “سياسي”، سوف تخصص الولايات المتحدة مبلغاً لن يقل عن تريليوني دولار إضافية لتوزيعها على المؤسسات المتعثرة بسبب كورونا، والعمال وأصحاب الحاجة من غير القادرين على سداد فواتيرهم أو الأقساط المستحقة عليهم. ولهذا، المتوقع أن ترتفع الأسهم في أسواق البورصة الأميركية ومؤشراتها الثلاثة (نازداك)، و(داو جونز) الصناعي، وستاندرد آند بورز (S&P) لأكبر خمسمائة شركة أميركية، ولكن قد تتغير أسماء الشركات الأكثر ربحاً. وبعدما شهدنا ارتفاعاً كبيراً في أسعار أسهم شركات الأدوية، والاقتصاد الرقمي،
وشركات التوزيع مثل أمازون وعلي بابا، وشركات الإنتاج الغذائي، وشركات المنتجات المساعدة على الحماية من كورونا، مثل الأقنعة والمعقّمات والصابون وغيرها، فإنه مع بداية فتح الأسواق والعودة إلى الحياة الطبيعة (Normalcy)، فإن شركات السياحة، والترفيه، والمطاعم، والطيران، والملابس وغيرها، ستبدأ في الانتعاش، خصوصا في النصف الثاني من العام المقبل.
ولكن هل سيعيد مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) النظر في أسعار الفائدة الأميركية، والتي وصلت إلى حدود دنيا؟ وإذا افترضنا أنه لن يخفّض أسعار الفوائد خلال عام 2021، فالمتوقع أن يشهد الاقتصاد الأميركي ارتفاعاً في الرقم القياسي للبورصة، قد يَصل إلى سقف 32.000 نقطة أو أكثر قليلاً، وسنرى ارتفاعاً في الرقم القياسي لتكاليف المعيشة، ربما يقارب 4% خلال عام 2021 و5% خلال العام الذي يليه.
توقعات بزيادة التضخم
وسيكون التضخم المتوقع ناتجاً عن سببين رئيسيين: الأول أن السيولة في الاقتصاد الأميركي ستكون فائضة، وهذا يضبط سعر الفائدة على الدولار في المدى القصير. ولكنه سيؤدي إلى رفع الأسعار، ما يفرض على الحكومة الأميركية في نهاية 2021، أو مطلع 2022، أن ترفع سعر الفائدة النقدي، وإلا فإن سعر الفائدة الحقيقي سيتراجع أكثر. والثاني أن الدولار سوف يُسْتوعَب في عام 2021 جزءٌ وافرٌ منه في الأسواق العالمية العطشى للسيولة. ولربما نرى الميزان التجاري الأميركي يتحسّن بزيادة الصادرات وتقليل الاستيراد، ما يُنتج ضغوطاً إضافية على الأسعار.
وممّا قد يقلل من احتمالات الضغوط على سعر الدولار، التراجع الممكن في أسعار صرف بعض العملات الرئيسية، مثل الرمبي (RPM) الصيني، أو اليورو أو الجنيه الإسترليني، أو حتى الين الياباني. ومع أن الصين هي الوحيدة من بين هذه الدول التي ستحقق نمواً إيجابياً هذا العام، فإن التحسّن في الاقتصادات الأوروبية واليابان لن يستطيع أن يمحو التراجع في اقتصاد هذه الدول، والذي نتج أساساً عن أزمة كورونا.
بنظرة إلى التوقعات القريبة حول عودة الحياة إلى طبيعتها عالمياً، فإن أحسن حالات التفاؤل تقول إن بداية ذلك ستكون في منتصف العام المقبل 2021. وهنالك خبراء في الأمراض المعدية يتوقعون ألا تستعيد الحياة طبيعتها قبل نهاية ذلك العام. وإذا صحّت هذه التوقعات، فإن عام 2021 ربما يكون أفضل وأحسن أداء في جانبه الحقيقي قبل عام 2022. وبمعنى آخر، ربما تقارب معدلات النمو في العام المقبل الصفر أو فوقه قليلاً، ولكن معدّلات التضخم ربما ترتفع أكثر.
وهذا زمن طويل ومكلف على اقتصادات معظم الدول. ولذلك لا بد للعالم أن يتفق ضمن الأمم المتحدة ومؤسساتها ذات العلاقة، وضمن البنك الدولي والبنك الأوروبي وبنك آسيا التنموي في الصين على آليات تشاركية للسعي نحو تطبيق أهداف الألفية التنموية، أو مما يسمى بشكل مختصر SDGs أن (Strategic Development Goals)، خاصة تلك التي تدعو إلى محاربة الفقر والجوع والبطالة، وإلى تحقيق المساواة الجندرية، ومنع الرقيق والمتاجرة بالممنوعات، وتطوير مصادر المياه والحفاظ على البيئة، وإيقاف التغير المناخي والارتفاع الحراري، وإلا فإن الهوة بين الفقراء والأغنياء ستزداد اتساعاً، ما يضيف آفاتٍ اجتماعية وأمنية قد تُعْجِز العالم.