على الموقع الإلكتروني العائد لمجلس الانماء والإعمار تطول قائمة المشاريع المنفذة. وهي تظهر نوع المشروع، مكانه، رقم العقد، تاريخ التوقيع، قيمة المشروع والشركة الملتزمة وغيرها الكثير من التفاصيل العامة البالغة الأهمية. إلا ان هذا لا يعتبر مؤشراً كافياً عن عدم وجود هدر أو مخاطر فساد في المشاريع المنفذة. “فالفساد يكمن في التفاصيل”، بحسب الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية – لا فساد. وبرأي مديرها التنفيذي جوليان كورسون فان نشر الأرقام “يعتبر المستوى الأول من الوصول إلى المعلومة. ولتحديد مقدار الشفافية في المشاريع المنفذة يجب الأخذ في الإعتبار النقاط التالية: تعليل المشاريع أي مفاد الدراسة التي أجريت. على أي أساس حددت الكلفة؟ كيفية صرف الموارد؟ وهل تمت المناقصات كما يلزم على أساس دفتر شروط مناسب؟ وهل قرارات الصرف مبنية على أسس فيها حجة علمية؟ وهل كانت هناك مراقبة للمشاريع على صعيد النوعية أو على صعيد طريقة الصرف؟ فهذه الحلقة المتصلة التي يمر بها المشروع من حين تولد الفكرة إلى حين التنفيذ والتأكد من حسن التنفيذ، تعتبر مساراً طويلاً من الممكن أن يتضمن مخاطر فساد. خصوصاً إن لم يكن هناك إطار مؤسساتي أو قانوني يحسن الاداء”. وهنا يكمن الخلل.
مجلس الإنماء والإعمار يعتبر المرجعية الأساسية التي تحضّر المشاريع وتلزّمها وتنفق التمويل وتجري المراقبة على التنفيذ. وبالتالي فان المهام التي يجب ان تكون في مؤسسات منفصلة عن بعضها البعض، تجري في مؤسسة واحدة و”هذا يخالف أبسط مبادئ الشفافية التي تنص على أن لا أحد يراقب نفسه أو أعماله”، يقول المدير التنفيذي لشبكة المنظمات غير الحكومية العربية للتنمية زياد عبد الصمد. وبرأيه فان هناك ثلاث مشكلات أساسية بطريقة عمل المجلس: الأولى، اعطاؤه صلاحيات التوقيع مباشرة مع الجهات المانحة، سواء كان البنك الدولي أوغيره من المؤسسات العالمية، لتنفيذ المشاريع. وذلك من دون الحاجة إلى المرور في السلطتين التنفيذية أو التشريعية بمخالفة لكل الأصول المتبعة في الدول الديموقراطية، حيث تدخل الهبات عبر مجلس الوزراء وليس عبر المجالس والمؤسسات، وأحياناً كثيرة يتطلب قبول الهبات، خصوصاً ان كانت قروضاً، موافقة مجلس النواب واصدارها بقانون. وهذا ما لا يحدث. أما المشكلة الثانية فتتمثل في تركيبة مجلس الإنماء والإعمار التي تراعي المحاصصة الطائفية والسياسية. حيث يوجد لكل طرف سياسي في المجلس موقع يضمن من خلاله حصة معينة سواء كان بشكل مباشر أو عبر تلزيم المشاريع لشركات ومقاولين يدورون في فلكه. المشكلة الثالثة هي عدم خضوع المناقصات العمومية التي يجريها إلى إدارة المناقصات في التفتيش المركزي وتوقيع الكثير من عقود التلزيمات بالتراضي.
خضوع مجلس الإنماء والإعمار لرقابة ديوان المحاسبة اللاحقة لم تشكل فرصة لوضع حد للتجاوزات أو تقدم إجابات عن الاستفسارات الكثيرة عن أعماله. إذ انه من غير المعروف، بحسب كوروسون، “مدى الملاحقة الجدية لملفات المجلس، حيث يواجه ديوان المحاسبة تحديات على صعيد عدد الافراد المولجين ملاحقة الملفات، خصوصاً ان أكثريتهم يعملون على حسابات الموازنة العامة لآخر 20 سنة”.
الدفوع الشكلية التي تسوقها كل المؤسسات المتهمة بالفساد وهدر المال العام من الكهرباء مروراً بالوزارات ووصولاً للمجالس والصناديق، يكذّبها حصول لبنان على الدرجة 28/100 في امتحان الفساد الذي يستند الى مؤشرات عديدة تُقاس من خلالها مستويات الفساد. فلبنان قد احتل المرتبة 137 عالمياً على مدركات الفساد في العام 2019 من أصل 180 دولة يقيسها المؤشر. فان كان لا أحد في الدولة فاسداً فمن أين يأتي هذا التقييم السلبي؟