مجلس النواب ليس “سيّد نفسه” مع شروط صندوق النقد

إقتربت ساعة حقيقة الاصلاح المالي والاقتصادي في لبنان. فاذا كانت الحكومات المتعاقبة منذ مؤتمر باريس 1 في 2001، ثم المؤتمرات اللاحقة المماثلة والخاصة بدعم لبنان، تقاعست عن تطبيق القوانين الاصلاحية كما تقاعس المجلس النيابي عن محاسبتها، فان الوضع الآن مختلف تماماً. فالحكومة والمجلس معاً سيكونان بمواجهة صندوق النقد الدولي إذا اراد لبنان فعلاً قرضاً انقاذياً من الصندوق.

مصرفياً، لن يعود للبنان القطاع البنكي الذي طالما تغنى به، فصندوق النقد يطالب باعادة هيكلة القطاع بالكامل مع عصرنة الرقابة عليه وفق المتطلبات الدولية، وزيادة الحوكمة والشفافية فيه حتى لو اضطر اللبنانيون للتخلي عن السرية المصرفية التي يعرفونها منذ 1956 ونفعت كثيراً للتستر على الفاسدين والمتهربين من الضرائب والمتلحفين بالسرية لاخفاء اثرائهم غير المشروع. كما ان قانون النقد والتسليف بحاجة لتحديث بالكامل تقريباً للتعلم من الاخطاء القاتلة التي ارتكبها البنك المركزي وأودت بودائع الناس في تهلكة سياسات نقدية خاطئة في معظم اساسها وفروعها.

في قطاعات أخرى، هناك قوانين مطلوبة لمكافحة الفساد وأخرى محفزة للنمو وتسهيل الاعمال، أي بناء نموذج اقتصادي جديد كلياً محصن ببناء شبكة اجتماعية للاكثر فقرا. الى ذلك، لا بد من ترشيق القطاع العام وزيادة انتاجيته وشفافيته وادارته الرشيدة وخدماته الالكترونية، وتغيير اساليب استثمار المرافق والمؤسسات العامة بالاساليب المناسبة بعيدا عن هيمنات السياسيين وفسادهم، لتدر تلك المرافق والمؤسسات أفضل عوائد للخزينة العامة الغارقه في عجزها المزمن.

يحدد عضو اللجنة النيابية لمتابعة تنفيذ القوانين النائب علي فياض الحلقة المفقودة التي تحوّل كل الاجراءات التي يتم إتخاذها من قبل اللجنة إلى مجرد “نشاطات غير ملزمة” للحكومة والوزراء، فيشرح لـ”نداء الوطن” أن “دور مجلس النواب هو التشريع والرقابة على عمل الحكومة ومساءلتها وطرح الثقة فيها في حال خالفت تطبيق القوانين، ولكن المسار الذي يترتب عليه مساءلة الحكومة غير موجود في لبنان”. ويوضح انه “ليس هناك قرار سياسي بالسير في هذا المسار لسبب تقليدي هو أن كل القوى الممثلة في مجلس النواب موجودة أيضا في الحكومة، والسبب الثاني أن الحكومة ليست فريقا واحدا بل مجموعة جهات تشكل مظلة لهذه الحكومة. ولا ترقى المساءلة في مجلس النواب إلى مستوى طرح الثقة بالوزير المعني علما أنه دائما كان هناك أسباب تقتضي ذلك”.

إذا سلمنا جدلا بأن تجاذب المصالح والخلل البنيوي في النظام السياسي يدفعان السلطة التنفيذية إلى التصرف بإنتقائية مع القوانين الصادرة، هل يمكن لمنظمات المجتمع المدني أن تشكل أداة ضاغطة؟ يجيب المدير التنفيذي في جمعية “لا فساد” جوليان كورسون أن “جُل ما يمكن أن تقدمه هذه الجمعيات هو مساعدة اللجان النيابية تقنياً على إعداد قوانين إصلاحية جديدة”.

ويعطي كورسون أمثلة على غياب هذا التنظيم من “خلال قانون الشراء العام. حيث حصل تشاور غير رسمي بين الجمعية وبعض النواب، وتم تقديم ملاحظات تتعلق بهذا القانون. لكن لم نصل إلى النتيجة التي كنا نتمناها، والسبب هو عدم وجود إطار منظم بيننا وبين مجلس النواب للوصول لطرح التعديلات على البنود من أجل أن تتواءم أكثر مع الممارسات الدولية”.

يشرح الدكتور انطوان سعد (محام واستاذ محاضر في القانون الدولي والدستوري) لـ”نداء الوطن” أنه “لا يمكن الطعن في أي موقف للحكومة إلا أمام مجلس شورى الدولة”. لافتا إلى أنه “يمكن للمواطن المتضرر أو أي تجمع وطني يهدف إلى تعزيز مسألة الحقوق في لبنان، أن يربط النزاع مع الحكومة على أساس أنه يقتضي التعويض (بسبب الامتناع) لكل مواطن كان ليستفيد من تطبيق هذه القوانين، فإذا امتنعت الحكومة لشهرين عن الايجاب نعتبر أننا أمام قرار ضمني بالرفض، عندها تتم مراجعة مجلس شورى الدولة بمهلة شهرين إضافيين للطعن بقرار الرفض”.

يضيف: “في مطلق الاحوال أتمنى أن يتم التقدم أمام مجلس الشورى بمراجعة بعد ربط النزاع مع الحكومة جراء إمتناعها عن تطبيق هذه القوانين، لأنها تتعسف في إستعمال السلطة بسبب إمتناعها عن تنفيذ قوانين تفيد المواطنين وتعود بالفائدة على الخزينة العامة”.

 

مصدرنداء الوطن - باسمة عطوي
المادة السابقةالأعلاف زادت 30%: اللحوم ومشتقات الحليب إلى ارتفاع
المقالة القادمةمصارف لبنان تفرض عمولات إستنسابية واعتباطية… باهظة جداً