يسعى الأوروبيون إلى كسر هيمنة الصين على معادن أفريقيا من خلال إبرام شراكات مع أبرز الدول المنتجة في القارة لتأمين احتياجاتهم خلال السنوات المقبلة.
وشرع الاتحاد الأوروبي في وضع اللمسات الأخيرة على عقود شراكة مع الكونغو الديمقراطية وزاميا لتعزيز الصناعات المحلية، حيث يحاول التكتل التنافس مع بكين لتأمين المعادن الأساسية للقطاعين الأخضر والرقمي.
وكشفت مصادر مطلعة لوكالة بلومبرغ الخميس أن حكومات ومؤسسات من القطاع الخاص ستوقع مذكرة تفاهم مخططا لها بدعم من الاتحاد الأوروبي وتتضمن تطوير سلاسل القيمة المحلية.
وأكدت أن الخطوة تأتي في ظل سيطرة الصين على عمليات معالجة المعادن الحيوية، بما في ذلك الليثيوم أو الكوبالت، والتي تتم حاليا على أراضيها.
ويهدف الاتحاد الأوروبي إلى تنويع مصادر توريد الموارد الرئيسية، ومواجهة استثمارات الصين الضخمة في مجال البنية التحتية بعدد من المناطق، بما في ذلك أفريقيا.
وفي هذا الإطار، وقّع الاتحاد صفقات مماثلة مع كندا وكازاخستان وناميبيا وأوكرانيا والأرجنتين وتشيلي، كما يبحث عقد اتفاقات مع رواندا وأوغندا.
وقالت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هوياتها لسرية المناقشات، إن الاتحاد “يخطط للتوقيع على الشراكات خلال منتدى غلوبال غيتواي، وهو برنامج استثماري بقيمة 300 مليار يورو، والمقرر انعقاده في بروكسل أواخر أكتوبر المقبل”.
ومن المتوقع أن يجمع المنتدى مسؤولين كبارا بالاتحاد الأوروبي ودول أخرى ورجال أعمال أوروبيين لمناقشة الخطوات التالية في هذا المضمار.
وقال أندريه واميسو، نائب رئيس مسؤولي الشؤون الاقتصادية للرئيس الكونغولي فيليكس شيسيكيدي، إن المحادثات مع بلاده “جاءت في أعقاب زيارة قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمفوض الأوروبي تييري بريتون إلى كينشاسا في مارس الماضي”.
وذكر عبر رسالة نصية “يرغب الاتحاد في شراكة بقطاع المعادن الأساسية الإستراتيجية، والتي رحبت بها الكونغو الديمقراطية”.
وستسهل الاتفاقيات الوصول إلى المعادن الحيوية، وستكون جزءا من مساعي أوروبا الموسعة لتطوير ممر لوبيتو الإستراتيجي عبر أفريقيا، وهو مشروع لسكك الحديد لربط أنغولا والكونغو الديمقراطية وزامبيا، وشحن المواد الخام والمعادن عبر المحيط الأطلسي.
وفي السنوات الأخيرة، برزت الكونغو الديمقراطية كأحد أهم اللاعبين فهي تنتج ما يقدر بنحو 70 في المئة من احتياطات الكوبالت في العالم وبحصة تبلغ 41 في المئة مع إنتاج نحو 95 ألف طن سنويا، ولطالما وصفتها حكومتها بأنها “منظمة أوبك للكوبالت”.
ويحظى الكوبالت باهتمام كبير بعدما أعلن عملاق تصنيع السيارات الألمانية بي.أم.دبليو في 2021 أنه سيشتري هذا المعدن مباشرة من المناجم في المغرب، الذي يعد تاسع منتج لهذا المعدن على مستوى العالم.
وهناك كميات متزايدة من النحاس والكوبالت تصل قيمتها إلى 1.5 مليار دولار تقريبا، عالقة في الكونغو الديمقراطية، وسط نزاع دائر حول مستقبل أحد أكبر مناجم التعدين التي تخدم صناعة البطاريات على مستوى العالم.
وهذه الكميات الهائلة من المعدنين، تمتلكها شركة كموك غروب الصينية التي تخوض منذ مطلع 2023 نزاعا مع شريكتها الكونغولية المملوكة للحكومة، حول مدفوعات حقوق الامتياز في المنجم.
ورغم صدور قرار بحظر صادراتها في منتصف يوليو الماضي، إلا أن شركة تينك فونغوروم التابعة لشركة كموك واصلت العمل في المنجم بطاقته الإنتاجية الكاملة تقريبا.
وتقوم فونغوروم بتخزين المعدن الإضافي المستخرج إلى أن يصبح بإمكانها استئناف عمليات تصدير الشحنات، بحسب أشخاص على دراية بالموضوع.
وتعد الكونغو أكبر منتج للكوبالت في العالم، وتتنافس مع بيرو كثاني أكبر منتج لمعدن النحاس، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى تكثيف الاستثمارات الصينية في السنوات الأخيرة.
أما زامبيا فهي أيضا منتج رئيسي للنحاس، وتسعى الحكومات الغربية إلى إقامة تحالفات مع البلدين لتحدي هيمنة الصين في سلاسل توريد المعادن الحيوية.
وفي العام الماضي، وقّع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مذكرة تفاهم مع الكونغو وزامبيا لاستكشاف سبل دعم خطتهما لتطوير سلاسل إمدادات السيارات الكهربائية معا.
وأعلن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، على هامش قمة مجموعة العشرين في نيودلهي في وقت سابق هذا الشهر، التزامهما باستكشاف التعاون في استثمارات البنية التحتية للنقل، وترتيبات تسهيل التجارة.
كما اتفقا على تحقيق النمو الاقتصادي الشامل والمستدام واستثمار رأس المال في الدول الثلاث التي تضم ممر لوبيتو عبر أفريقيا.
وكخطوة أولى في هذا الاتجاه، سيدعم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الدراسات الأولية لبناء خط سكة حديد زامبيا – لوبيتو الجديد من شرق أنغولا عبر شمال زامبيا.
وقالت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، “ستستثمر شراكتنا أيضا في سلاسل القيمة المحلية والطاقة النظيفة ومهارات القوى العاملة المحلية”.
وأضافت أثناء تصريحات في نيودلهي على هامش قمة العشرين أن “هذا النهج جديد تماما للاستثمار الكبير في البنية التحتية”.
وسيكون النقص في المواد المنتجة خارج الصين أكثر حدة، حيث تهدف التشريعات في الولايات المتحدة وأوروبا إلى خفض الاعتماد على ثاني أكبر اقتصاد في العالم في ما يتعلق بالمعادن المهمة.