يتوجَّه المجتمع الدولي بشكلٍ متزايدٍ إلى تصويب معظم المساعدات التي تُقدَّم إلى لبنان في اتجاه البرامج الإنسانية واستجابةً لحالات الطوارئ، وهو أمر ناجم بمعظمه عن الأزمات المتشابكة الناتجة بدورها عن تأزُّم سياسي مزمن، تستعصي معه الحلول ويُحترَف فيه تضييع الفرص. ومن هذا البرنامج ما كان يتعلق بما يلي: حوكمة القطاع العام، تعيين هيئة ناظمة للمناقصات العامة، إصلاح قطاع الطاقة وخصخصة كهرباء لبنان، زيادة التنافسية، استراتيجية اجتماعية شاملة وإصلاح نظم التقاعد.
وأمام هذه الفرص الضائعة -التي لم تؤخذ بشكل جدي منذ أكثر من 14 عاماً بعد مؤتمر “باريس 3” وكذلك بعد مؤتمر “سيدر”- وأمام غياب الرؤية وتفكُّك المؤسسات، وكذلك الإزمان الحاصل في أزمة اللجوء السوري، يتحوَّل المانحون استنداداً الى المرصد إلى حصر المساعدات المقدَّمة إلى لبنان بالمنظمات الدولية والهيئات غير الحكومية ضمن أطر المساعدات الإنسانية.
ولفت الى أنه في هذا الإطار، حصل لبنان خلال العام الماضي على 1,6 مليار دولار كمِنح جُلُّها عبر الهيئات الإنسانية والمنظمات غير الحكومية، بحيث شكَّل هذا المبلغ ارتفاعاً ملحوظاً (عن المساعدات الممنوحة خلال عام 2019) قدرُهُ نصف مليار دولار، إذ حصل لبنان عامئذٍ على 1,1 مليار دولار. وحصلت ثلاث منظمات دولية على نسبة 66 في المئة من التمويل الإنساني هي: برنامج الغذاء العالمي بنسبة 29,8%، مفوضية اللاجئين بنسبة 25,2% ومنظمة اليونيسف بنسبة 10,9%. ولم تُحصَر أكثرية التمويل الساحقة بقطاعات معينة، فيما حصل كلٌّ من قطاعات الصحة على 102 مليون دولار، والأمن الغذائي 76 مليوناً، والتعليم 37 مليوناً. وتُنفَّذ هذه البرامج بواسطة منظمات دولية ومؤسسات غير حكومية بالتعاون مع الادارات الرسمية في قطاعات محددة كالصحة والتعليم، إضافة الى الهيئات المحلية في بعض الأحيان.
ويحتل لبنان المرتبة الثالثة عالميّاً من حيث التمويل الإنساني بحصوله على نسبة 5,8% من مجموع التمويل الإنساني في العالم بعد سوريا (9,6%) واليمن (8,1%)، إلَّا أنَّه يحتل المرتبة الأولى عالميّاً من حيث حصة الفرد المستهدف من التمويل الإنساني إذا احتسبنا الفئات المستهدفة من الفقراء اللبنانيين (1 مليون) واللاجئين السوريين (1 مليون) والفلسطينيين (270 ألفاً)، وتُقدَّر هذه الحصة بنحو 700 دولار للفرد سنويّاً.
وتوقّع المرصد أن يزداد التمويل الإنساني في الأعوام المقبلة في ضوء انهيار قطاعات أساسية كالصحة والتعليم والخدمات المهمة كالمياه، ونتيجة التوهّن المتزايد عند الادارات الرسمية الذي يمنعها من القيام بأدوارها، ممَّا يستوجب القيام بالخطوات التالية:
أولًا: الإلغاء الفوري لهرطقة “الدولار الإنساني” التي أطلقها مصرف لبنان وبعض المصارف الخاصة، بحيث تحتسب هذه المؤسسات سعر دولار المساعدات بحسب “منصة صيرفة”، ممَّا يعني أنَّ جزءاً يسيراً من المعونة المقدمة “يبقى” من دون وجهِ حقٍّ في النظام المصرفي، بشقِّيه الرسمي والتجاري، بما يحرم مستحقِّي المساعدات من الحصول عليها.
ثانيًا: إتِّباع الشفافية المطلقة في عملية صرف الاموال واختيار المستفيدين، وكذلك تعزيز الكفاءة في التنفيذ ووضع أطر لتقييم اثر المعونة الانسانية.
ثالثًا: تعزيز الطابع المحلي للمساعدات الانسانية انسجاماً مع مقررات القمة العالمية للعمل الانساني في اسطنبول 2016، عبر جعل ما لا يقل عن نسبة 25 في المئة من التمويل الانساني للمنظمات والهيئات اللبنانية العاملة وطنياً او محلياً، مع توسعة مروحة المشاركة ليشمل التمويل الجمعيات القاعدية والعاملة في نطاق محلي كالبلدات واحياء المدن.