بات سؤال “هل سيشهد لبنان حربًا؟” جزءًا من يوميات اللبنانيين المجبولة بالخوف والقلق حول مصيرهم؛ على وقع تصاعد التوتر بين حزب الله وإسرائيل، والتوجس من حرب واسعة أو عدوان إسرائيلي قد يطال العمق اللبناني ومرافقه الحيوية، بعد رد الحزب المرتقب على ضرب الضاحية الجنوبية لبيروت واغتيال قائده فؤاد شكر.
ويتقدم سؤال اللبنانيين أيضًا حول الأضرار الهائلة والخسائر التي تترتب على لبنان في حال توسعت الأعمال العسكرية، لا سيما أن تجربة حرب تموز 2006، خير دليل على جنوح إسرائيل لضرب البنى التحتية والمرافق الحيوية والمناطق المأهولة.
أمام هذا الواقع، تتجه الأنظار إلى شمال لبنان، لاعتبارات النزوح المحتمل، بسبب موقعه البعيد عن رقعة التصعيد العسكري. لكن مرافق الشمال أيضًا، تلعب دورًا محوريًا، وعلى رأسها مرفأ طرابلس، على المستوى اللوجستي والمدني والاتصال بالخارج وتوفير الأمن الغذائي.
محطة إجلاء وسفر؟
يشير مصدر رسمي مطلع، إلى أن خط الركاب الأسبوعي الذي ينطلق دوريًا من المرفأ منذ نحو 13 عامًا، ارتفع نشاطه في الأسابيع الأخيرة، ولا سيما بعد الارتباك الكبير الذي شهده مطار رفيق الحريري الدولي، لجهة إلغاء عشرات رحلات شركات الطيران، تحسبًا لمخاطر أمنية محتملة.
وحسب المصدر، سافر ما لا يقل عن 60 شخصًا بحرًا عبر مرفأ طرابلس، بعد إلغاء رحلاتهم من قبل شركات الطيران، حين توجهوا إلى ميناء تاشوجو جنوب مرسين، الذي يبعد نحو 150 كيلومتر عن مطار أضنة.
وفي حال وقوع أي حدث استثنائية، سيكون مرفأ طرابلس، وفق المصدر، مؤهلًا للقيام بمختلف الأدوار التجارية، ويشكل معبرًا رئيسيًا لإجلاء النازحين واللاجئين، وأيضاً لاستيراد لمئات الأطنان من المواد الغذائية. كما أنه مؤهل ليكون ساحة محورية لنشاط المنظمات الدولية واستقبال مختلف أنواع المساعدات وكمياتها.
وحسب المصدر أيضًا، فإن مرفأ طرابلس يستقبل حاليًا كل أنواع الحاويات، ولديه نحو 120 ألف حاوية، تشكل نحو 20% من إجمالي حجم الحاويات في لبنان. كما تصل إلى المرفأ مختلف أنواع البضائع، ويستورد حاليًا نحو 90 ألف طن من القمح، إضافة إلى استيراد وتصدير نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون من البضائع.
لذا، ونظرًا للدور التكاملي مع مرفأ بيروت، سيكون مرفأ طرابلس معبر لبنان إلى الخارج، وصمام أمنه الغذائي، وفق خبراء، إذا ما تعرضت بيروت أيضًا لأي خطر أو عدوان إسرائيلي.
مميزات المرفأ
ويعد مرفأ طرابلس، ثاني أكبر مرفأ في لبنان، ويشكل امتدادًا نحو الساحل السوري. وتبلغ المساحة الإجمالية لمرفأ طرابلس المائية نحو 3 مليون متر مربع، منها 2200000 م2 مساحة مائية و 320000 م2 مساحة أرضية و420000 م2 مساحة الردم المحاذية للمرفأ الحالي، وتضم منطقة رصيف الحاويات والمنطقة الاقتصادية الخاصة.
ويمتلك المرفأ بوابتين: البوابة الأولى، تضمّ 4 مداخل مخصصة فقط للحاويات، تقع قبالة الأوتستراد الدولي باتجاه بيروت وسوريا. والبوابة الثانية، تتألف من 7 مداخل، وهي مخصصة للأعمال الأخرى.
وفي السنوات الأخيرة، تم إنشاء رصيف جديد فيه بطول 600 متر، وعمق 15.5 أمتار، مع منطقة خلفية بمساحة 650 ألف متر مربع.
أما رصيف الحاويات، فهو قادر على استقبال سفن حتى طول 360 مترًا، ويستقبل المرفأ سنويًا نحو 2 مليون طن من البضائع، بينما هو قادر على استقبال 5 مليون طن.
ومنذ العام 2021، تستحوذ شركة الشحن الفرنسية العالمية CMA CGM على إدارة محطة الحاويات في طرابلس كما هو الحال في مرفأ بيروت.
تجارب سابقة
ورغم التحديات الكبيرة التي مر بها مرفأ طرابلس طيلة السنوات الماضية، لعب دورًا أساسيًا في أزمات عديدة، كان آخرها انفجار مرفأ بيروت في 2020، حين استقبل عشرات البواخر التي كانت تتجه إلى مرفأ بيروت.
وهنا، يقول أنطوان عماطوري، الرئيس السابق لمجلس إدارة الحاويات في مرفأ طرابلس، لـ”المدن”، إن هذا المرفأ قادر على العمل بمعدل 95% من قدرة مرفأ بيروت التشغيلية ووتيرة حركته.
مثلًا، يستقبل مرفأ بيروت عادة نحو 600 ألف حاوية في السنة. بينما قدرة مرفأ طرابلس تصل إلى نحو 500 ألف حاوية سنويًا، يستخدم حاليًا نصف هذه القدرة، باستقبال نحو 250 ألف حاوية سنويًا.
وكان مجلس الإنماء والإعمار، قد وقع قبل نحو ثلاث سنوات مشروع تطوير مرفأ طرابلس مع “شركة المقاولون العرب” المصرية، بتمويل من البنك الإسلامي للتنمية” بمبلغ قدره 87 مليون دولار.
لكن هذا المشروع تم سحبه، وفق عماطوري، قبل نحو عام، بحجة الأوضاع المضطربة بلبنان، وعدم رغبة الشركة باستكمال استثمارها بالمرفأ.
ومع ذلك، يستعد مرفأ طرابلس في غضون شهرين، لإطلاق مناقصة للمشروع التطويري نفسه، خصوصًا أن إدارة المرفأ، وبفعل الحركة التجارية الواسعة، تمكنت من توفير احتياطي في خزينة المرفأ، يتراوح بين 30 و40 مليون دولار.