نشرت صحيفة «ذي ناشيونال» الإماراتية الصادرة بالإنكليزية، أمس، خريطة تحدّد «المسار المتشابك» للتدفقات المالية من حساب في مصرف لبنان المركزي إلى حسابات شركة «فوري»، استناداً إلى «ملفات قضائية أوروبية» تمكنت من الاطّلاع عليها.
وبموجب عقد وساطة جرى توقيعه بين «فوري» ومصرف لبنان عام 2002، دفعت المصارف والمؤسسات المالية عمولات للشركة «عن غير قصد» في كل مرة كانت تشتري أو تبيع أدوات استثمار من مصرف لبنان، بما في ذلك شهادات الإيداع وسندات اليوروبوند وسندات الخزينة.
وجاء في قرار الحجز على ممتلكات سلامة الذي أصدرته قاضية التحقيق الفرنسية أود بورسي واطلعت عليه الصحيفة أن العمولات التي تقاضتها الشركة «لا تترافق مع أي خدمة حقيقية أدّتها فوري»، وقد «انتفع منها رياض سلامة وأقاربه من دون علم ربّ عمله، مصرف لبنان». وأشار إلى أن الأموال مرت بـ«عمليات تكديس متتالية» عبر أشخاص مختلفين ودول متعددة، «لإخفاء مصدر الأموال»، ما يعدّ بمثابة «عملية غسل».
وأشار «مخطط تتبّع الأموال» الذي وضعه المحققون إلى أن الأموال حُوّلت من حساب في مصرف لبنان حيث يُفترض أنه تم دفع العمولات إلى حساب «فوري» في سويسرا. من هناك، اتّبعت الأموال مساراً معقداً من خلال حسابات مصرفية في عدد من البلدان، بما فيها لبنان وسويسرا ولوكسمبورغ وقبرص، لتنتهي أخيراً في حوزة رجا أو رياض سلامة وأدواتهما الاستثمارية في لوكسمبورغ. وبحسب قرار الحجز الفرنسي، «كان رجا سلامة المستفيد الرئيسي من هذه العمليات، إذ تلقّى حسابه الشخصي في سويسرا أكثر من 204 ملايين دولار بين عامَي 2002 و2016».
المستفيد الرئيسي الآخر هو رياض سلامة وشركات «أوفشور» مسجّلة باسمه في الخارج، تلقت حوالي 26.2 مليون دولار و9.2 ملايين يورو و5.3 ملايين فرنك سويسري. وتم تحويل الأموال مباشرة من حساب «فوري»، أو بشكل غير مباشر من الحساب الشخصي لرجا سلامة في سويسرا.
ومن بين المستفيدين المهمين الآخرين آنا كوزاكوفا، شريكة رياض سلامة ووالدة ابنته، والتي اتهمتها القاضية الفرنسية في تموز الماضي بارتكاب جرائم مالية في القضية، وبأن شركتها التي تحمل اسماً مشابهاً هو «فوري» (Forri)، تلقّت 1.3 مليون دولار و183 ألف يورو مباشرة من «فوري» (Forry) المملوكة من رجا سلامة «من دون مبرر اقتصادي».
ونقلت «ذي ناشيونال» عن قرار الحجز الفرنسي أن الجزء الأكبر من العمولات، أي أكثر من 220 مليون دولار، حُوّلت من «فوري» إلى حساب رجا سلامة في سويسرا، ثم إلى حساباته في لبنان. وبمجرد وصول الأموال إلى لبنان، أصبح من الصعب تتبعها. إذ لم يتمكن المحققون الأوروبيون من الوصول إلى البيانات بسبب قوانين السرية المصرفية التي لا يمكن رفعها إلا من قبل لجنة التحقيق الخاصة التي يرأسها رياض سلامة نفسه.
وكتبت القاضية الفرنسية في الوثيقة «يبدو من الصعب، بل من المستحيل، الحصول من المصارف اللبنانية على معلومات حول حسابات رياض ورجا سلامة».
مع ذلك، تمكن المحققون الأوروبيون من تتبع جزء من التدفق المالي من لبنان إلى العقارات في أوروبا، بناءً على معلومات قدمها القضاء في لوكسمبورغ.
وكتبت بورسي في قرار الحجز أنه بينما كان رجا سلامة ينقل عمولات «فوري» إلى حساباته اللبنانية، «كان رياض سلامة يحوّل بشكل متزامن الأموال… من حساباته اللبنانية إلى حسابات شخصية في لوكسمبورغ وحسابات شركات كان أو لا يزال هو المالك المستفيد منها».
ومن هناك، حُوّلت الأموال إلى عدد من شركات الاستثمار العقاري في دول أوروبية مختلفة، واستخدمت لشراء عقارات فخمة في فرنسا وبلجيكا والمملكة المتحدة وألمانيا. وتضمّن قرار القاضية الفرنسية أنه «خلال فترة عمل فوري، تملّك رياض سلامة أصولاً عقارية كبيرة، ولا سيما في فرنسا والمملكة المتحدة وبلجيكا وألمانيا، تم تمويلها من خلال شركات كان أو لا يزال المستفيد الفعلي منها».
وكتبت الصحيفة أنه رغم أن الجزء الأكبر من أموال الشركة حُوّل عبر لبنان، حيث يصعب تعقبها بسبب السرية المصرفية وعدم تعاون السلطات المحلية، تمكن المحققون الأوروبيون من العثور على تحويلات مالية من حسابات «فوري» مباشرة، لم تمرّ عبر لبنان، إلى شركات عقارية وشركات سيارات يملكها رياض سلامة في لوكسمبورغ. وقد تم تجميد معظم هذه الممتلكات والحسابات، كجزء من التحقيق المشترك الذي تجريه السلطات القضائية في فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ.