يعمل لبنان على تفكيك العقبات أمام تفعيل خططه المتعلقة بتقنين زراعة القنب الهندي، كأحد الخيارات المثيرة للجدل والتي تحمل في طياتها إمكانيات اقتصادية واعدة سواء من حيث الإنتاج أو الإيرادات، بما يمكن من استغلال القطاع في مجالات طبية وصناعية بطريقة آمنة ومربحة.
تسعى الحكومة اللبنانية لتحويل زراعة القنب الهندي إلى مصدر دخل قانوني ومستدام، في خطوة تهدف إلى كسر الجمود في تقنين هذا القطاع، بما يحفز الاقتصاد المتعثر الذي تراكمت أزماته منذ أكثر من خمس سنوات.
وكشف رئيس مجلس الوزراء نواف سلام خلال زيارته الخميس سرايا مدينة زحلة ضمن جولته في محافظة البقاع الأوسط شرق البلاد، إطلاق مسار تشكيل الهيئة الوطنية للقنب، بهدف تحويل هذه الزراعة من اقتصاد قاتل إلى مورد طبي.
وقال سلام إن هذه العملية “تخدم الإنسان، لا تدمره، وتسهم في نمو الاقتصاد الشرعي ضمن إطار قانوني وطبي وإنساني،” وأضاف “أعيد التأكيد أن البقاع هو السلة الغذائية للبنان، ونريده أن يبقى كذلك؛ مصدرا للغذاء، لا للسموم.”
ويشهد هذا المجال، الذي تظهر التقديرات أنه قد يدر على الدولة إيرادات تصل إلى قرابة 5 ملايين دولار سنويا في حال تم تشريع الإجراءات لتقنينه، عقبات منذ سنوات رغم وجود قانون ينظم زراعته وإنتاجه.
ويقول خبراء ومسؤولون وأوساط قطاع الزراعة إن تأخير تنفيذ القانون أدى إلى فقدان فرص اقتصادية كبيرة وعمّق معاناة المزارعين في المناطق المتضررة.
ويراهن الكثيرون على إمكانيّات استغلال تشريع زراعة القنب للاستخدام الطبّي من أجل تأمين مصادر تمويل إضافية عبر جذب استثمارات من الخارج، إلّا أنّ الدولة لم تستند إلى أيّ دراسة اقتصادية على عكس ما يروَّج له.
ومن اللافت كذلك في هذا المضمار غياب أيّ بحث تجريبي يتعلق بزراعة القنب الطبّي، من حيث ملاءمته للأراضي والمناخ أو من ناحية إنتاجيّته.
ويُقدّر أن العائدات المحتملة من القطاع إذا أصبح مقننا قد تصل إلى مليار دولار سنويًا، وفقًا لدراسة أعدتها مؤسسة ماكنزي في عام 2018 شملت مقترحات تضم 150 خيارا لإعادة بناء الاقتصاد اللبناني، بما في ذلك تصدير القنب.
وفي ظل ثالث أعلى دين في العالم، جادل مؤيدو تقنين القنب بأن تعزيز نشاط القطاع يمكن أن يساعد في إصلاح اقتصاد البلاد، لكن بعض المزارعين، وخاصة في البقاع، كانوا يتوجسون من أن التدخل الحكومي سيسلبهم الإيرادات ويضعها في أيدي السياسيين.
ومع ذلك يأمل المزارعون في البقاع، التي تعتبر أحد أكثر المناطق الشهيرة بإنتاج القنب في لبنان، أن يتم الإسراع في تنفيذ قانون تم سنه قبل سنوات لتحقيق الفوائد المرجوة عبر إضفاء الشرعية على زراعته للاستخدامات الطبية.
وتتحكم في معظم إنتاج القنب في لبنان مجموعة من العشائر القوية في البقاع. وتتم الزراعة بشكل علني تقريبا، رغم أن القانون اللبناني يعاقب كل من يتاجر به.
وأقر البرلمان في عام 2020 قانونا يسمح بزراعة القنب للأغراض الطبية والصناعية، لكن تنفيذه ما زال يواجه تحديات بيروقراطية وسياسية، حيث لم تصدر أية مراسيم تنفيذية حتى الآن لجعله نافذا على أرض الواقع.
ويعطي القانون صلاحية تحديد رسوم وبدلات تراخيص الزراعة للهيئة المشرفة، على أن تصبح نافذة بعد صدورها بمراسيم حكومية بناءً على اقتراح رئاسة مجلس الوزراء.
وفي عام 2021 أنشأت السلطات هيئتين مسؤولتين عن منح التراخيص للأشخاص أو الكيانات لزراعة القنب وإنتاجه، حيث يتم تحديد متطلبات التقدم بطلب للحصول على تصريح، وزراعة القنب وبيعه، أو تصنيع منتجات من النبات.
ويؤكد الخبراء أنه إذا تم تجاوز العقبات السياسية والإدارية، فإن زراعة القنب يمكن أن تصبح قطاعا واعدا، يوفر فرص عمل ويسهم في دفع عجلة الاقتصاد.
ونبات القنب، الذي بدأ المغرب في تقنين استخدامه خلال السنوات القليلة الماضية، أكثر صلابة وأقل احتياجا إلى المياه والمبيدات وأرخص ثمناً من المحاصيل الأخرى كالتفاح والبطاطس، لكن زراعته غير قانونية حتى الآن في لبنان.
وعلى مدى سنوات يطالب عدد من المزارعين بزراعة القنب صيفا حتى يتمكنوا من تأمين قوت عائلاتهم شتاء ودفع معاليم تدريس أبنائهم، في ظل ما تعانيه الدولة من أزمة مالية خانقة تسببت في انهيار قيمة الليرة.
وبغض النظر عن عدم قانونيتها، يُزرع في لبنان ما يقارب 40 ألف هكتار من الأراضي على الأقل بنبتة القنب، بحسب تقرير لمكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة عام 2020.
وتشير دراسات إلى أن مردود الدونم من القنب للأغراض الطبية والصناعية قد يصل إلى نحو 1200 دولار، أي ثلاثة أضعاف قيمة ما ينتجه دونم واحد من الحشيش، وهذا يجعله خيارًا جذابًا للمزارعين الذين يعانون من صعوبة تصريف منتجاتهم التقليدية.
وبلغ هذا القطاع ذروته خلال فوضى الحرب الأهلية في البلاد بين عامي 1975 و1990 عندما كان يغادر الموانئ غير الشرعية على الساحل ما يقدر بنحو ألفي طن سنويا من القنب.
ويعد لبنان، وفق الأمم المتحدة، رابع منتج لعجينة القنب في العالم بعد أفغانستان والمغرب وباكستان. ويجد المنتج اللبناني بشكل أساسي أسواقا له في منطقة الشرق الأوسط وخصوصا في سوريا والأردن ومصر وإسرائيل وقبرص وتركيا.
وفي إطار تعزيز الجدوى الاقتصادية لهذا القطاع، وقّعت إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية (الريجي) قبل عامين اتفاقية مع الجامعة اللبنانية الأميركية لإجراء دراسة مشتركة حول جدوى زراعة القنب للأغراض الطبية والصناعية.