فور تخرّج الطالب من الجامعة، يطمح الى حجز وظيفة – فرصة تؤمن مستقبله. يحمل مخطط أحلامه إلى السوق، يبحث عن خيط يمسكه لينطلق. يحاول دوماً التخفيف من وطأة الصعوبات، لكن الأحلام تتكسر عند أول ردّ يواجهه “ما عنا وظيفة”، “بدنا موظف عندو خبرة”، “مين واسطتك”… وهذه مفردات تشكل سبباً من أسباب إنهيار المؤسسات الرسمية التي تضم جيشاً من العاملين “بلا كفاءة” ممن حملتهم “الواسطة”، وليس “الشطارة”.
فالشطارة لا مكان لها في أروقة مؤسسات الدولة. ومن هنا نلاحظ غياب الكفاءة وتراجع الخدمة العامة. ومما لا شك فيه أيضاً أنّ اندفاع الشباب للهجرة، سببه انعدام فرص العمل في بلد يغرق في البحث عن علاجات لأزمته الاقتصادية المتهاوية، ولكن من دون جدوى. فهو يقف امام منعطف “اليوروبوند”: هل ينزلق نحو الهاوية أو يقف متفرجاً؟ وحدهم الشباب يغامرون، يهربون من كلمة “عاطل من العمل”، يخرقون جدار الأزمة بمشروع محدود. يدركون انها مجازفة في زمن “التقشف”، ولكنهم يؤمنون بالأمل.
لم يفقد أحمد الأمل، ما زال يراهن على “القشّة الاخيرة”. منذ شهر تقريباً، إفتتح مشروعه الصغير لبيع العصير في منطقة النبطية. قرر كسر جمود الأزمة، يدرك انها مغامرة كبرى، ولكنه يؤكد “علينا ألا نستسلم”. هو نفسه الذي عاش في الغربة لسنوات طويلة، هاجر مذ كان في مقتبل العمر، خبر طريقة الحياة الغربية، وهذا ما مده بجرعة إصرار، وفق قوله: “الاستسلام غير وارد في دفتر حياتي، علينا أن نحدث طاقة أمل في جدار الأزمة”.
إنطلق أحمد من محله الصغير ليؤكد أنّ الشباب هم بوابة الحل، يعتبر مبادرته جزءاً من سلسلة مبادرات على الشباب القيام بها، “لا شك ان الغلاء الفاحش في أسعار الفاكهة والمواد الاولية سينعكس على أسعار العصائر التي أقدمها، لكنني قمت بدراسة جدوى قائمة على الربح القليل من خلال الأسعار المخفّضة التي تستقطب اصحاب الدخل المحدود”.
بدوره محمود، لم يستسلم للبطالة. الشاب العشريني يرفض الانضمام إلى جيش العاطلين من العمل. قرر استحداث مشروع صغير ليعتاش منه. يعول على حركة النزوح الكبيرة من بيروت باتجاه قرى النبطية بحثاً عن حياة أقل كلفة من دون أن يغفل أهمية التسويق وهو اختصاصه الجامعي. من هنا بدأ حملة التسويق عبر منصات التواصل تستهدف الشباب الأكثر عشقاً للعصائر وتوابعها.
بات يعشق ترحاله اليومي، يبيع الليمون والرمان، وفي وقت الفراغ يطالع الكتب، هو من عشاق باولو كويلو ومحمد الماغوط، لم يكتب له اكمال دراسته، يعوضها بالمطالعة. أيقن محمود أن الأزمة ستطول، فقصد سوريا ليشتري الفاكهة كونها أرخص. كل ما يريده هو تأمين المأكل لعائلته، واكثر ما يخشاه هو المرض بسبب غياب الضمانات الصحية. يرفض الإنهزام والإنكسار، ويؤكد “كلنا أمل بالبلد ليعود أفضل مما كان”.