«الراتب التحفيزي» هو أحدث منتجات السلطة لتجزئة رواتب القطاع العام بهدف إخضاعهم. روّجت السلطة لهذا المنتج باعتباره «بشرى سارة» وقبل تأمين تمويله المقدر بنحو 144 مليار ليرة من دون أن يشمل الأساتذة الجامعيين. في المقابل يواصل الموظفون رفض عملية «الترقيع» هذه حتى لو أدّى ذلك إلى حرمان القطاع العام من رواتب شهر تموز!
مع بدء الأسبوع السابع من إضراب موظفي القطاع العام، اجتمعت اللجنة الوزارية المكلّفة متابعة الملف، برئاسة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وبحضور نائبه سعادة الشامي، ووزراء المالية يوسف خليل، والعمل مصطفى بيرم، والشؤون الاجتماعية هكتور حجار، والصحة العامة فراس الأبيض، والأشغال العامة والنقل علي حمية، والصناعة جورج بوشكيان، ورئيسة مجلس الخدمة المدنية نسرين مشموشي، والمدير العام لرئاسة الجمهورية أنطوان شقير، والأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية، والمدير العام لوزارة المالية بالوكالة جورج معراوي. وتمخّض عن الاجتماع صيغة جديدة من تجزئة رواتب العاملين في القطاع العام إلى أربع شرائح تهدف إلى قضم حقوق الموظفين في استعادة قدراتهم الشرائية، وتسهّل التحّكم بولاءاتهم.
تتضمن الصيغة الأحدث من تجزئة الرواتب الآتي: الراتب الأساسي، مساعدة اجتماعية (كانت نصف راتب وصارت تعادل قيمة راتب شهر مع حدّ أدنى وحدّ أقصى)، بدل نقل بقيمة 95 ألف ليرة عن كل يوم حضور، وراتب تحفيزي تتراوح قيمته بين 150 و300 ألف ليرة تختلف بحسب فئة الموظّف عن كل يوم حضور إلى مركز العمل. المتغيّر الوحيد بين طرح الأمس وطرح يوم الخميس الماضي (الاجتماع السابق للجنة) هو استبدال الجزء المسمى بـ«تعويض الحضور اليومي» الذي يحتسب على أساس تقسيم الراتب على 20 يوماً مضروباً بعدد أيام الحضور، بما أسمته اللجنة أمس «الراتب التحفيزي».
في الجوهر، لا تعديلات تُذكَر، إذ إن الصيغتين تنطلقان من مبدأ تقسيم الراتب، لتكون الزيادة الهزلية المطروحة من خارج الراتب الأساسي ومن خارج أي احتساب في تعويضات نهاية الخدمة، عوضاً عن التصحيح الحقيقي للأجور. ووفق معلومات «الأخبار» فإن كلفة هذا الاقتراح على خزينة الدولة تصل إلى 72 مليار ليرة في الشهر، ولن يتعدى اعتماد هذه الصيغة أكثر من شهرين فقط، كتقطيعٍ للوقت إلى حين إقرار قانون الموازنة العامة ومن خلالها سلّة الضرائب والرسوم الجديدة وعلى رأسها الدولار الجمركي الذي تراهن السلطة على تمويل زيادة الأجور عبره.
يكرر إذاً ميقاتي ووزراؤه سيناريو المساعدة الاجتماعية، لكن هذه المرة بأسماء جديدة، تارة تعويض الحضور وتارة الراتب التحفيزي، من دون أن يبدّل ذلك بواقعِ الحال. إلا أن اجتماع الأمس كشف أن ميقاتي الذي اعتاد بيع الأوهام مذ توليه رئاسة الحكومة، لم يعفِ الموظفين من ألاعيبه، بل يعِد القطاع العام بأرقامٍ وأموالٍ غير موجودة، ففي الأسبوع الماضي أخذ الرجل على عاتقه تأمين تمويل حلول مرحلية كهذه لمدة شهرين، وتعهّد بذلك من تلقاء نفسه، ليفاجأ المجتمعون بالأمس بطلب وزير المالية يوسف خليل التريث في بتّ الاقتراح إلى حين دراسة كلفته وانعكاساته المالية ولا سيما أنه لم يدرج في الكلفة القضاة والأساتذة الجامعيين. لذا لم تُتَخذ قرارات نهائية في الاجتماع واتفق على إرجاء الحسم النهائي إلى اجتماعٍ سيعقد يوم الأربعاء المقبل.
من جانبها ترفض رابطة موظفي الإدارة العامة اقتراح السلطة الجديد، إذ يؤكد عضو الرابطة إبراهيم نحال لـ«الأخبار» أن «الطروحات تحفّز الموظفين على الاستمرار في الإضراب»، معتبراً أن «ما يقدّم لا يكفي الموظف للوصول إلى عمله، فضلاً عن تجاهل السلطة البحث في تأمين الطبابة والمنح الدراسية».
المراوحة والمراوغة السلطوية، تبقي على أسباب الإضراب قائمة، ولا توحي بجدية البحث بإزالتها. خطورة ذلك لا تقتصر على الشلل المتمادي في القطاع العام ومؤسسات الدولة، إنما بعدمِ توافر رواتب الموظفين أنفسهم بعد خمسة أيامٍ، مع نهاية الشهر الحالي. إذ إن موظفي مديرية الصرفيات في وزارة المال ملتزمون الإضراب حتى الساعة، ولم يعد أحد منهم إلى الوزارة لتحضير الرواتب التي تحتاج إلى حوالى العشرة أيامٍ لإنجازها، أي ما يعادل تقريباً نصف أيام العمل الشهرية. هؤلاء معظمهم يسكنون في مناطق الإقليم، وعليهم قطع المسافة البعيدة نسبياً للحضور إلى الوزارة، وكانوا قد أعلنوا في نهاية شهر حزيران المنصرم بالتزامن مع كسرهم للإضراب لعدةِ أيام بهدف إنجاز رواتب وأجور زملائهم في القطاع، أنّهم غير مسؤولين عن رواتب الأشهر المقبلة من تموز وصاعداً. حتى الساعة لم تتشنّج الأوضاع بين الموظفين على خلفية صرف الرواتب من عدمها، والأجواء تشير إلى تفهّم جزء من الموظفين لأوضاع زملائهم في مديرية الصرفيات، ومعارضة جزء آخر من دون أن تحتدم الأمور.