مهما سعت المصارف اللبنانية وبشتى أنواع الحملات الاعلانية المدفوعة أو المدروسة فانها ستجد صعوبة بالغة جداً جداً في اقناع من وثق يوماً بها أن يثق بها مجدداً.
بعيداً عن شكل الحل النهائي للأزمة المالية اللبنانية، وكيفما كان شكل المعالجة، من المعروف مسبقاً، ان معظم القطاع سيخضع لإعادة تجميل تجارية عبر تغيير أسماء مصارف اذا نجح أصحابها ومساهموها بالهرب من سيف اعادة الهيلكة الذي سيطيح بملكية جزء كبير من هؤلاء لمصارفهم.
سعي دؤوب للهروب…
في الاثناء، السعي المستمر للهروب من تحمل حصتها من الخسارة ورميها على الدولة والشعب ودافعي الضرائب بحجة «قدسية الودائع»، يحصل بالتوازي مع خطط بديلة باتت تشكل نمطاً له العديد من المؤشرات. إعادة التجميل ليست الخطة الوحيدة التي ينشط في تحضيرها جزء كبير من المصارف، اذ يكفي الاطلاع على اسلوب تعاملها مع سندات اليوروبوندز للتأكد بأن جزءاً كبيراً منها يعمل على خطط بديلة تحسباً للأسوأ، منها تغيير هوية مالكي الاصول العقارية للمصارف. فهل يشكل ذلك جرماً جزائياً؟ وهل فترة الريبة القانونية في مكانها بناء على أسلوب حكم مقاربة المصارف منذ إندلاع الازمة حتى اليوم؟
قصة السندات
للتذكير، المصارف اللبنانية التي حملت جزءاً كبيراً من سندات الدين بالعملة الأجنبية، عمدت الى التخلص من هذا الحمل تدريجياً مع تزايد مخاطر التعثر الى حين التخلص من الجزء الأكبر منه لصالح جهات خارجية، وهو الامر الذي وضع الدولة برمتها وأصولها في خطر مخالب «صناديق النسور» التي تستحوذ على كمية كبيرة نسبياً من تلك السندات.
عند اعلان وزير المالية السابق علي حسن خليل في كانون الثاني 2019 عن امكانية توجه الدولة نحو اعادة هيكلة الدين، تبين أن مصارف لبنانية، وحتى اعلان اقفالها لأسبوعين عقب انتفاضة السابع عشر من تشرين، قامت ببيع سندات دين لجهات خارجية بقيمة مليار و200 مليون دولار.
في شباط 2020 وبعد تشكيل حكومة حسان دياب وتوجهها نحو اعلان التعثر، خاضت الحكومة مفاوضات مع المصارف لاعادة جدولة الدين في اجتماعات ماراثونية أفضت الى موافقة مبدئية، لكن عدداً من المصارف عمد عقب الاتفاق الى بيع جزء من السندات الى جهات خارجية، مما يفقد الدولة اللبنانية قدرتها التفاوضية، اذا فشلت في الحصول على موافقة 75% من حملة السندات على اعادة هيكلة تلك الديون بعد اجراء هيركات عليها. وبجردة سريعة على حجم السندات التي قامت المصارف ببيعها منذ تصريح وزير المالية في كانون الثاني 2019 حتى نهاية 2020 بعد اعلان الدولة عن التعثر باعت المصارف ما قيمته 6 مليارات دولار من السندات لجهات خارجية.
الدور على العقارات
بناء عليه تصبح الريبة يقيناً حول قيام عدد من المصارف بنقل ملكية أصولها العقارية الى أسماء وجهات مختلفة، تحميها من الملاحقة القانونية في حال حصولها، وهو ما يؤكده المحامي المتخصص بالشؤون المصرفية علي زبيب بناء على معطيات تثبت منها في دعاوى قضائية يعمل عليها.
فمع تكاثر الدعاوى القضائية وتهديد الحجوزات على أصول المصارف المنقولة وغير المنقولة، ومع تلويح عدد من نقابات المهن الحرة بمقاضاة المصارف بناء على القانون 67/2 الذي يتيح ملاحقة أموال واصول المصارف، بالاضافة الى أموال وأصول المساهمين واعضاء مجلس الادارة، يقول زبيب: «شخصياً عمدت الى اجراء حجز احتياطي على 115 قسماً عقارياً لأحد المصارف في بيروت في دعوى قضائية يمكن تصنيفها كأكبر حجز احتياطي في تاريخ لبنان. وقد اصطدمت بمعضلة اساسية وهي عدم القدرة على الاستحصال على افادات عقارية لهذه الاقسام المملوكة من المصرف في منطقة بيروت العقارية. وذلك بسبب عدم اكتمال الوقوعات على العقارات وهو أمر يتم عمداً من قبل المصرف بالتعاون مع موظفين في الادارات العامة لا يملكون قوتهم اليوم. الامر الذي يؤدي الى عدم القدرة على القيام بالحجز على اصول المصارف برادع قانوني».
قشور قانونية
يشرح زبيب أن «النمط الجديد بعد بداية الاحكام القضائية ضد المصارف دفع بها لإعداد خريطة طريق لتهريب الاصول عبر تسجيلها في أسماء شركات متفرعة. وهذا السلوك يهدف الى تعقيد الملاحقة في حال حصولها عبر انشاء طبقة من القشور القانونية – العقارية لتضييع الملاحقة في حال حصولها.
يرى زبيب أن «هذا النمط يتقاطع مع ما اقدمت عليه المصارف بداية الازمة وتحديداً الأشهر الثلاث الاولى منها ربطاً بحجم الاموال التي تمّ تحويلها، بذريعة عدم وجود قانون يحظر التحاويل المالية وهو مبدأ عام انتهجته المصارف في بداية الازمة وتستمر فيه الى يومنا هذا». يؤكد زبيب أن «فترة الريبة التي يتيحها القانون 67/2 والتي تمتد الى 18 شهراً قبل اندلاع الازمة نظراً لصدور قانون تعليق المهل، يصعّب مهمة المصارف بالافلات من الملاحقة، ولو كانت اضافة القشور عبر نقل ملكية الاصول الى جهات ثالثة تصعب الملاحقة». يضيف زبيب أن «هذا السلوك قد يؤثر سلباً على البنوك في حال تطبيق قانون اعادة هيكلة المصارف. إذ إن التخلص من ملكية المصرف لهذه الاصول يخفض من قيمته السوقية في حال التصفية أو الدمج».
وتقدر الأصول الملموسة للمصارف والرهونات بـ6.7 مليارات دولار أميركي. أي حوالى 20% من القيمة التي قدرتها الحكومة بـ35 مليار دولار، لدفع 100 الف دولار لنحو 95% من الحسابات في المصارف.
يتحوطون بطرق ملتوية
المحامي حسن بزي من مجموعة «الشعب يريد اصلاح النظام» يقول إن المجموعة «استحصلت على قرارات قضائية بالحجز على أصول 7 مصارف من أصل 56 مصرفاً، والعمل جار على توسعة رقعة الحجوزات، النجاح بوضع اشارة على اصول 8 مصارف دفع المصارف الاخرى الى القيام بإجراء احترازي، قبل ان تطالها الدعوى بجرائم الاثراء غير المشروع والاحتيال ومخالفة قانون النقد والتسليف».
يضيف بزي أن «قيام المصارف التي وضعت اشارة على اصولها العقارية بعمليات بيع بطرق غير قانونية يعدّ جرماً جزائياً يضاف الى الجرم الاساس وهو قيامها بهذه العمليات في فترة توصف بالريبة».
سبق وحصل ذلك
عملية تهريب الاصول، ليست بفكرة جديدة أو مبتكرة. عقب انهيار مصرفه وقيام السلطات آنذاك بملاحقة أمواله وأملاكه في الخارج، عمد مؤسس مصرف انترا يوسف بيدس على انتهاج الاسلوب نفسه. قيام بيدس بنقل أملاكه وأمواله الشخصية (كان جزءاً منها ملك المصرف لكنه سجلها باسمه الشخصي تفادياً للتعقيدات القانونية في حالات البيع والاستثمار) الى صديقيه المقربين انطوان بست ونعيم عطالله، جرت في ظروف مختلفة، اذ كان بيدس يعتبر أن افلاس المصرف ومنع انقاذه هو مؤامرة بحد ذاتها. على أن بيدس نشر رسالة في الصحف قبل وفاته ولم يكن لها أي وقع أنذاك، ونعيد نشر جزء منها اليوم لعل وقعها يكون مختلفاً ولكي لا يصبح «خداع جميع الناس دائماً» ممكناً، خلافاً لمقولة الرئيس الاميركي ابراهام لينكولن الذي يفتقد اللبنانيون وجهه على فئة الدولارت الخمسة بعد شح الدولار في أيديهم.
رسالة بيدس
رسالة يوسف بيدس في آب 1968 تقول ما يلي:
«كونوا على حذر، لا تسمحوا لأؤلئك الذين ألحقوا أذية لا يمكن اصلاحها بلبنان أن يستغلوا طيبتكم وميلكم العفوي للثقة بالآخرين ليرتكبوا اعمالاً أخرى، اجعلوهم يخضعون للمحاسبة والمساءلة على أعمالهم. مصير بلدكم مهدد ومعه مستقبل أبنائكم».