مصارف مرعوبة من التصفية… ومصرفيون خائفون على ثرواتهم

ما إن قدّم نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف لطرحه على طاولة مجلس الوزراء للتداول به بهدف إقراره الأسبوع الماضي، حتى انهالت على المشروع حملة ممنهجة اعتبر منظموها أن القانون يحمّل المصارف وحدها المسؤولية. وتقديم الشامي هذا المشروع أثار لغطاً لدى البعض معتقدين أنه هو من أعدّه، في حين أن الحقيقة هي ان الاعداد كان من لجنة الرقابة على المصارف ومصرف لبنان.

و»زرع» هذا المشروع الرُعب في قلوب وعقول بعض اصحاب المصارف الذين يريدون تحميل الدولة الخسائر باعتبارها هي التي بدّدت أموال المودعين برأيهم. وانقسم الخبراء والإقتصاديون بين مؤيدين لهذا المشروع وبين معارضين له.

الباب التاسع

يُذكر أن الباب التاسع من هذا المشروع جاء تحت عنوان عملية التصفية وأهدافها. فالتصفية، كما جاء في القانون، تشمل بيع جميع موجودات المصرف وتسوية مطلوباته وتوزيع اي أموال متبقية على اصحاب الحقوق وإقفاله نهائياً كمؤسسة قانونية. وهذا الأمر أقلق مصرفيين يدركون أنه في حال دخل هذا القانون حيّز التنفيذ سيخرجون من القطاع فيما مصلحتهم تقتضي المراوحة مكانهم مهما كلف الأمر. وهناك من يرى أن القوانين اللبنانية القائمة كفيلة بإعادة تنظيم وضع القطاع في حال طُبّقت من دون قانون إعادة هيكلة أعده مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف علماً انهم صنّاع الأزمة برأي كثيرين.

لا خيار آخر

وبرز المصرفي جان رياشي من المؤيدين لمشروع قانون إعادة هيكلة المصارف، إذ اعتبر خلال حديثه الى «نداء الوطن» أنه «يترتّب على الدولة أن تسير بمشروع القانون هذا ويصوّت عليه في مجلس النواب كما هو، على اعتبار أن المعارضين لا يقدّمون بديلاً عنه.

بل يرى أكثر من ذلك أن مشروع القانون ممتاز، ويمكن أن يخضع لتعديلات. ولا خيار عدا هذا القانون باعتبار أنه اذا بقي الوضع على حاله لن يتمّ تسديد شيء للمودع. فهذا القانون أُعدّ كما يجب، ومن الضروري تمريره، مستغرباً كيف يتمّ التهجّم على الشامي، في حين لا يتمّ ذكر لجنة الرقابة على المصارف ومصرف لبنان اللذين أعدّوه.

وأوضح رياشي وجهة نظره بناءً على التسلسل المنطقي التالي: «هناك مصارف مفلسة وتترتّب عليها موجبات أبرزها الودائع من دون أن تقابلها أصول، علماً أن الحجم الأكبر لأصول المصارف هي ودائع بمصرف لبنان، وحجم خسائر مصرف لبنان أكثر من ثلثي ودائع المصارف.

توزيع الخسائر

ويضيف وجود خسائر ناتجة عن سندات الـ»يوروبوندز» ومركز قطع سلبي على الدولار، ما يعني أنه يترتّب على مصارف دولارات أكثر بكثير مما لديها. ما أدى الى تراكم حجم خسائر في القطاع بين 70 و 80 مليار دولار. فالمصارف لا تستطيع أن تردّ الودائع، ولا تستطيع الإيفاء بالتزاماتها مهما جهدت لأن ميزانياتها خاسرة. ولن تستطيع إستقطاب أموال تعادل الخسائر البالغة 80 مليار دولار، وبذلك بات على الدولة واجب إعادة هيكلة القطاع.

ويوضح رياشي في هذا المجال أنه «لتكون مصارف فعّالة وشغّالة» يجب ان يكون في جعبتها أموالاً خاصة إيجابية، وليس سلبية كما هو الوضع عليه اليوم.

وفي مشروع قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي تريد الدولة حماية الحسابات لغاية 100 ألف دولار تدفعها المصارف، أما المبالغ الإضافية فإما يحوّل قسم منها الى أسهم في المصرف أو يتمّ نقلها الى صندوق إعادة الودائع. وبالتالي تكون الدولة، كما يؤكد رياشي، ساعدت المصارف بتحمّلها مسؤولية كل المبالغ التي تفوق الـ 100 ألف دولار. وبذلك، فعلياً تُعفى المصارف من تلك الإلتزامات، وتصبح ميزانية المصارف لا سلبية ولا إيجابية.

عندها يمكن للبنوك إستقطاب أموال خاصة، أي تقوم بإعادة الرسملة إما من مساهمين جدد او من أصحاب المصارف الذين لديهم أموال في الخارج. ويؤكد رياشي أنه «لا مهرب من اعتماد هذا الحلّ، إذ إن من يعارض لم يفهم تلك المعادلة أو لديه أهداف مشبوهة».

3 إشكاليات

يقول الرياشي إن مشروع القانون يطرح ثلاثة إشكاليات:

الأولى: هناك مصارف عديدة غير قادرة على تأمين مبلغ الـ100 ألف دولار… وهي الى التصفية

الثانية: هناك بنوك وان استطاعت تأمين الـ100 ألف دولار لن تستطيع تأمين رأس المال المطلوب. تلك المصارف ستتوجّه نحو التصفية ايضاً. وهذا الأمر طبيعي لشركة مفلسة أن يكون مصيرها التصفية.

والإشكالية الثالثة وهي الأكبر، المسؤولية القانونية الجزائية أو المدنية.

المسؤولية القانونية

إستناداً الى القانون، عندما يتجّه مصرف نحو التصفية يُنفّذ حجز إحتياطي على أموال أصحاب المصرف ومجلس الإدارة وكبار المدراء. فاذا تعرضت مصارف للتصفية سيتمّ الحجز على أموال أفراد مسؤولين في المصرف، وهذا الأمر يرعبهم. ثم حجز تنفيذي اذا قررت المحكمة ما اذا كان يجب دفع تعويضات لاصحاب الحقوق. وهنا ندخل في مرحلة إعادة الأموال والأرباح التي تمّ تحويلها الى الخارج. بالنسبة الى رياشي ايضا كما جاء في تغريدة له «يشكّل قانون إعادة هيكلة البنوك المقترح نهجاً متساهلاً للغاية بالنسبة لاصحاب ومدراء البنوك. لا يلزمهم بردّ الأرباح أو المكافآت او الفوائد او الاموال المحولة. وعلى الرغم من أنه يفرض المساءلة أمام المحاكم في حال التصفية لكنه يفشل في تحديد طبيعة المخالفات الجنائية أو المدنية التي من شأنها أن تؤدي إلى المسؤولية. ما يرجح ان تعتبر المحاكم ان اسباب التعثر نظامية في غياب حالات مخالفة او سوء ادارة فاضحة. وبالتالي قد لا يضطروا للتعويض من اموالهم الخاصة. إن معارضة هذه الخطة من قبل البعض في جمعية مصارف لبنان هي حماقة او لاوعي».

القوانين القائمة كافية

بدورها أجرت الأستاذة الجامعية والباحثة في القوانين المصرفية والمالية د. سابين الكك من خلال «نداء الوطن» مقاربة قانونية معارضة لمشروع القانون المطروح. فاعتبرت أن « كل أدوات إعادة هيكلة المصارف موجودة في التشريع اللبناني. وليس هناك من مانع من تطبيقها بأسلوب حديث وعصري. لا يمكن البناء على أنه ليس هناك من تشريعات لإعادة هيكلة المصارف ونقترح تشريعاً جديداً لإعادة الهيكلة بالرسملة، الدمج، الإستحواذ، ووضع اليد من قبل مصرف لبنان… والتصفية.

أين التقييم المالي؟

ولفتت الى أن «كل أدوات إعادة الهيكلة الموجودة في كل التشريعات العالمية موجودة بلبنان. وبالتالي لا ينقصنا هذا التشريع. فلنبدأ بالتقييم المالي الذي لا يقوم مصرف لبنان بإنجازه علماً انه وقعنا عليه في الإتفاق الأولي مع صندوق النقد الدولي. فلنبدأ من التقييم المالي للمصارف، وهنا نسأل أين لجنة الرقابة على المصارف التي مضى على تعيينها 3 سنوات من بعد الأزمة ولم تقدّم أي تقرير عن الوضع المالي لأي مصرف وما اذا كان يستطيع الإستمرار ام لا؟ هل نحتاج الى قانون للتقييم؟ لا! هذا في صلب مسؤوليات لجنة الرقابة وهي متواطئة لاستنزاف حقوق المودعين؟».

ولفتت الكك الى أنهم يريدون «إعادة تدوير القطاع المصرفي ليبقى قائماً بالعلل الموجودة، فلا نتطرّق الى الأسباب التي أدّت الى الأزمة ونستمر بلا تقييم كمّي ونوعي للمصارف، نكتفي فقط بحلّ نتائج الأزمة بقوانين مفصّلة على قياسهم. ويعني ذلك أننا لن نخرج من أزمة عميقة الى هذا الحدّ وهيكلية الى هذا الحدّ. وبالتالي، القطاع المصرفي لن يستعيد الثقة ودوره بالإقتصاد. وسيبقى الإقتصاد بحالة انكماش نتيجة عجز القطاع المصرفي عن القيام بالمهام الإئتمانية التي عليه والأساسية في الإقتصاد، وسنبقى في دوّامة وقطاع مصرفي فاسد بشكل جديد وهيئات جديدة لا أكثر ولا أقلّ».

وتعتبر الكك أنه «تمّ تأجيل حلّ الأزمة واستمر استنزاف المودعين والإقتصاد والمجتمع لإيجاد قانون يفصّل على قياس البعض. والمفهوم القانوني والتشريعي العادل هو دائماً مفهوم استباقي وليس لاحقاً. لذلك أعتبر أن كل الإقتراحات التي تقدّم بمكان ما مفصّلة على قياس الذي يقدّمها أكان مصرف لبنان أو لجنة الرقابة على المصارف أو جمعية المصارف أو السياسيين والحكومة والنواب، لأنهم كانوا بأكملهم مجتمعين معاً ومتكافلين للوصول الى الأزمة. تواطؤوا وغطّوا وأهملوا كل المسار المصرفي من سنوات تصل الى 20 سنة. وكل اقتراح قانون يقدّم ينبع من الثقافة نفسها والخلفية نفسها التي أداروا فيها هذا القطاع المصرفي على مدى كل هذه العقود».

مفاهيم بعيدة عن العدالة

وشدّدت على أن «مشروع قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي، يصبّ في الخانة نفسها والمسار نفسه. وهو تدوير للمفاهيم نفسها والمقاييس نفسها والمعايير ذاتها البعيدة كل البعد عن مفاهيم العدالة والمحاسبة والمساءلة والعمل المصرفي السليم. فلا ينقص المنظومة التشريعية في لبنان لا القوانين لمحاسبة ومساءلة من تسبّب بالأزمة، ولا القوانين لحماية حقوق المودعين وردّ هذه الحقوق، ولا حتى قوانين لإعادة هيكلة المصارف. وبالتالي كل اقتراح مبني على قاعدة أنه اقتراح حلّ للأزمة هو اقتراح يأتي في غير سياقه التشريعي الصحيح».

وناشدت مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف الإلتزام بالمعايير التي نصّ عليها قانون النقد والتسليف وتطبيق معايير «بازل»، عندها تتّضّح الصورة حول المصارف التي تريد ان تتابع عملها أم لا».

 

 

مصدرنداء الوطن - باتريسيا جلاد
المادة السابقةالطبقة السياسية اللبنانية لا تريد صندوق النقد
المقالة القادمة%208 التضخّم في سنة