مصرف لبنان وأرباح الذهب: 7.27 مليار منذ بداية آب

كل ارتفاع في أسعار الذهب العالميّة أصبح يحمل معه هدايا قيّمة في ميزانيّة مصرف لبنان. فاحتياطات الذهب التي يملكها المصرف يُعاد تقييمها كل 15 يومًا في بيان الوضع المالي، بحسب أسعار السوق الرائجة. وبعد كل قفزة في الأسعار، يُسجّل المصرف المركزي في ميزانيّته أرباحًا دفتريّة، جرّاء ارتفاع قيمة بند الذهب.

أمّا الأهم، فهو أنّ الارتفاعات في قيمة احتياطات الذهب، أدّت تلقائيًا إلى خفض قيمة فجوة الخسائر في ميزانيّة المصرف المركزي، المتمثّلة في الفارق ما بين الالتزامات والموجودات السائلة أو القابلة للتسييل. فاحتياطات الذهب قد لا تكون سيولة جاهزة للاستعمال، لكون القانون يمنع استخدامها، لكنّها جزء من ملاءة المصرف وكفاية موجودته، في مقابل الالتزامات والمطلوبات.

أرباح دفتريّة ضخمة

تشير العودة إلى بيانات مصرف لبنان الدوريّة إلى الحقيقة التالية: قيمة احتياطات الذهب، الموجودة في ميزانيّة المصرف، ارتفعت تدريجيًا من 31.47 مليار دولار في أواخر شهر آب، إلى 33.6 مليار دولار في منتصف شهر أيلول، وصولاً إلى 35.17 مليار دولار في أواخر أيلول، ثم 38.74 مليار دولار في منتصف الشهر الحالي.

أي بمعنى أوضح، سجّلت احتياطات الذهب في مصرف لبنان ارتفاعاً في قيمتها، بنحو 7.27 مليار دولار، خلال الفترة الممتدة ما بين أواخر شهر آب ومنتصف الشهر الحالي، أي خلال فترة لا تتجاوز شهراً ونصف الشهر. وبذلك، تكون قيمة احتياطات الذهب في مصرف لبنان قد سجّلت ارتفاعاً نسبته 23%، خلال هذه الفترة الزمنيّة القصيرة، بفعل الارتفاع في أسعار الذهب العالميّة. هذه الارتفاعات، كما هو معلوم، تشكّل ربحاً دفترياً له أهميّته من الناحية المحاسبيّة والماليّة، وإن لم تشكّل سيولة يمكن استخدامها حالياً.

للتذكير فقط، قد يكون من المفيد التنويه إلى أن قيمة احتياطات الذهب في ميزانيّة مصرف لبنان لم تكن تتجاوز حدود الـ 24.1 مليار دولار في بداية العام الحالي، ما يعني أن قيمة هذا البند ارتفعت بنحو 14.64 مليار دولار، أو بنسبة 61%، منذ بداية هذا العام. وبطبيعة الحال، خلال هذه الفترة، هبط حجم الفجوة الماليّة، أو كتلة الخسائر المتراكمة في ميزانيّة المصرف، بقيمة موازية.

في النتيجة، بحلول منتصف الشهر الحالي، باتت قيمة بند الذهب إلى جانب احتياطات العملات الأجنبيّة، في ميزانيّة مصرف لبنان، يوازيان معاً نحو 50.53 مليار دولار. في المقابل، بلغت قيمة التزامات مصرف لبنان للمصارف التجاريّة والمؤسسات الماليّة نحو 84.24 مليار دولار. وهذا ما يؤشّر إلى التراجع الكبير في حجم الفجوة الماليّة، أي الفارق بين القيمتين، نتيجة الزيادات في قيمة احتياطات الذهب في المصرف المركزي.

وتجدر الإشارة إلى أنّ قيمة احتياطات العملات الأجنبيّة في مصرف لبنان كانت قد سجّلت ارتفاعاً، خلال الفترة نفسها، من 11.67 مليار دولار في أواخر شهر آب، إلى قرابة 11.78 مليار دولار في منتصف الشهر الحالي، وهو ما عكس زيادة بنحو 114.44 مليون دولار خلال هذه المدّة. ودلّت هذه الزيادات على استمرار قدرة مصرف لبنان على شراء الدولارات من السوق، مقابل ليرات نقديّة.

سائر بنود الميزانيّة

لم تشهد الفترة الماضية تحوّلات بارزة في السياسة النقديّة المتبعة من قبل مصرف لبنان. فحجم الإيرادات العامّة، المتراكمة في حسابات الدولة لدى مصرف لبنان، استمرّ بالارتفاع: من 7.85 مليار دولار في أواخر شهر آب، إلى قرابة 8.19 مليار دولار في منتصف الشهر الحالي، ما عكس زيادة بقيمة 332.33 مليون دولار خلال فترة شهر ونصف الشهر فقط.

وكما بات واضحاً اليوم، يعتمد مصرف لبنان على هذه السياسة لامتصاص الليرات من السوق، عبر مراكمة الإيرادات العامّة لديه، في مقابل الليرات التي يستعملها ويضخها لشراء الدولار من السوق. ولهذا السبب، لم تشهد الكتلة النقديّة المتداولة بالليرة أي تغيّر يُذكر خلال الفترة الماضية، إذ استقرّ حجمها عند مستويات تتراوح ما بين 72.86 و74.43 تريليون ليرة لبنانيّة.

ومن المهم التذكير بأنّ البنك الدولي كان قد أشار في تقريره الأخير، الأسبوع الماضي، إلى حجم الفوائض التي تحقّقها الميزانيّة العامّة، والتي أدّت إلى زيادة ودائع القطاع العام في المصرف المركزي. إذ أشار التقرير إلى أنّ هذه الفوائض ستسمح للحكومة بامتصاص الصدمات في المستقبل، لكنّه لفت في الوقت نفسه إلى الحاجة لزيادة الإنفاق على إعادة بناء القدرات المؤسساتية، والإنفاق الجاري، بما في ذلك الأجور والخدمات الأساسية، والمشاريع الاستثمارية. وبذلك، بدا أنّ البنك الدولي قد اتّجه للمرّة الأولى إلى تقديم نقد مبطّن للسياسات الماليّة والنقديّة المعتمدة، والتي تفرط برأي كثيرين في التقشّف، عبر الامتناع عن استعمال الإيرادات العامّة.

في النتيجة، من الواضح أنّ الزيادات المُحققة في قيمة احتياطات الذهب ستساهم في تسهيل عمليّة صياغة مشروع قانون الفجوة الماليّة، بالنظر إلى انخفاض حجم الخسائر التي سيحتاج القانون للتعامل معها، لتمكين المصرف المركزي من استعادة توازنه. لكن في الوقت نفسه، من المهم التذكير بأنّ احتياطات الذهب غير قابلة للاستعمال في الوقت الراهن، ولا يبدو أنّ هناك اتجاهاً جدّياً للتصرّف بها حالياً، ما يعني أنّ القانون سيحتاج إلى تقسيط أجزاء من التزاماته التي ستتبقى في الميزانيّة، بعد استعادة التوازن المالي.

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةمجلس الوزراء ينعقد الخميس… مصارف وودائع وتعيينات
المقالة القادمةالبند 22 يتنازل عن آلاف الكيلومترات لقبرص: هل يفرِّط مجلس الوزراء ببحر لبنان؟