يشهد ملف حاكم مصرف لبنان السابق، رياض سلامة، داخل المحاكم الأوروبية تطورًا جديدًا. ففي خطوة لافتة، اتخذ حاكم مصرف لبنان بالإنابة، وسيم منصوري صفة الادعاء أمام القضاء الفرنسي، وطلب الدخول رسميًا في الدعوى المرفوعة ضد حاكم مصرف لبنان السابق، رياض سلامة، ليصبح طرفًا مدنيًا بجانب الدولة اللبنانيّة التي تطالب بحقها من أموال سلامة (راجع “المدن”).
زيارات رسمية
في الأسابيع الماضية، زار وفد من السفارة الفرنسية، وآخر من السفارة الألمانية، النيابة العامة التمييزية، والتقيا بالمدعي العام التمييزي القاضي جمال الحجار، لمعرفة آخر المستجدات في ملف سلامة داخل القضاء اللبناني، ولمساءلة الحجار حول آخر الإجراءات القضائية التي اتخذت في لبنان بما يتعلق بملفات المصارف.
وتأتي هذه الزيارة بعدما خصص رئيس الشرطة الجنائية الفيدرالية الألمانية (BKA) هولغر مانش، زيارة رسمية للمدعي العام التمييزي، القاضي غسان عويدات آنذاك، لمعرفة أسباب تأخر الدولة اللبنانية في رفع دعوى قضائية ضد سلامة في ألمانيا، مبلغًا الجانب اللبناني بجهوزية ألمانيا للتعاون مع الدولة اللبنانية في هذا الأمر.
وثائق وأدلة جديدة
في السياق نفسه، قرار منصوري بالدخول في قضية سلامة يحمل دلالات كثيرة. وهذا يعني أن مصرف لبنان كان “ضحية” لارتكابات سلامة داخل المصرف خلال ولايته، وأن الحاكم بالإنابة يريد استعادة حق المصرف المركزي من أموال سلامة بعد انتهاء المحاكمة، والأهم أنه صار جاهزًا للتعاون مع القضاء الأوروبي.
عمليًا، سيُطلب من منصوري الكثير من المستندات والأدلة من داخل المصرف المركزي. هذه الأدلة التي تمنّع سابقًا عن تسليمها للقضاء اللبناني والأوروبي لأسباب عديدة.
ففي تموز العام 2023، طلب القضاء الألماني الحصول على مستندات ووثائق من داخل المصرف المركزي، والتدقيق في الحسابات المصرفية، ولكنه لم يحصل على أي منها. فطلب آنذاك مساعدة من القضاء اللبناني ومواكبة أمنية لاقتحام مصرف لبنان بهدف الحصول على هذه الوثائق، فرُفض طلبه بحجة “انتهاك السيادة اللبنانية”.
في تلك الفترة، لم يقدم منصوري على أي خطوة توحي برغبته بفتح تحقيقات داخلية وتسليم كامل المعلومات المطلوبة للقضاء اللبناني. وحسب معلومات “المدن” فإن القضاء اللبناني راسل عدة مرات المصرف المركزي (بعد انتهاء ولاية سلامة) بهدف الحصول على معلومات ومعطيات حول بعض ملفات سلامة ولكنهم لم يحصلوا على أية إجابة واضحة.
توسع التحقيقات
في الواقع، جُمّد ملف سلامة داخل القضاء اللبناني، إذ دخل في نفق مظلم ومن الصعب الخروج منه بسهولة. فاللعبة القانونيّة التي اعتمدها سلامة نجحت في تطويق القضاة، وتمكن من “مخاصمة” العدد الأكبر منهم. وجديد هذا الملف، حسب معلومات “المدن”، أنه في الرابع والعشرين من حزيران الماضي، كلّف القاضي أيمن عويدات الغرفة الثانية من محكمة الاستئناف في بيروت برئاسة القاضية زلفا الحسن كهيئة اتهامية لمتابعة الملف المتعلق بسلامة، إلا أن سلامة تقدم بعد صدور قرار تكليف القاضية زلفا الحسن، بدعوى مخاصمة بحقها، بالرغم من عدم اتخاذها أي إجراء بحقه.
وبالرغم من توقف التحقيقات داخل القضاء اللبناني، إلا أن الملف لم يتوقف أبدًا داخل المحاكم الأوروبية. وحسب مصادر قضائية متابعة لـ”المدن” فإن منصوري بات ملزمًا بالتعاون مع القضاء الأوروبي، وعليه تقديم جميع المستندات والأدلة التي ستطلب منه، تمامًا كما تعاونت سابقًا الدولة اللبنانية مع القضاء الأوروبي.
هذا يعني، أن منصوري لن يتمكن من إخفاء أي معلومة عن القضاء الأوروبي، والمستندات التي منعت سابقًا عن القضاء اللبناني، سيتم تسليمها للقضاء الأوروبي. وبيت أسرار سلامة سيُكشف تباعًا، وستظهر الألاعيب التي استخدمت داخل المصرف لعقود طويلة لتمرير الصفقات.
ومع دخول مصرف لبنان في هذه القضية، ثمة إشكالية جديدة تُطرح حول الجهة التي ستتسلم أموال سلامة بعد انتهاء المحاكمة، هل ستعطى للدولة اللبنانية أم للمصرف المركزي؟
هنا، توضح مصادر قضائية لـ”المدن” أن المحاكم الأوروبية هي التي ستقرر هذا الأمر. ففي حال تبين أن أموال سلامة اختلست من المصرف المركزي طيلة فترة ولايته، فستعاد الأموال للمصرف، أما في حال اعتبرت أموال سلامة هي ناتجة عن عمليات تبييض أموال أو إثراء غير مشروع، فستكون الأموال لصالح الدولة اللبنانية فقط، وستسترد حقها من أموال سلامة. وأكدت المصادر أن دخول منصوري في القضية هو خطوة إيجابية جدًا، لناحية تقديم الوثائق والمستندات والأدلة للقضاء الأوروبي، مؤكدةً أن الهدف الأساسي هو استعادة المال المختلس ومعالجة الفجوة الاقتصادية التي تسبب بها سلامة سابقًا.
أما المُلاحق قضائيًا، رياض توفيق سلامة، وحسب معلومات “المدن” فهو يتواجد داخل الأراضي اللبنانية، وتحديدًا في مجمع سكني فاخر بالقرب من منطقة طبرجا، يضم بعض الفلل الفخمة والملاعب الرياضية وأحواض السباحة، وتحيط بالمجمع السكني العناصر الأمنية التابعة لشركات الحماية الشخصية الخاصة، لمواكبة الحاكم السابق وحمايته طوال الساعة، ويُمنع على جميع الزوار إدخال الهواتف المحمولة إلى الداخل وسط إجراءات أمنية مشددة.