أكثر من 10 آلاف طالب لبناني في الخارج عانوا وذويهم الأمرّين، لصعوبة التحويلات المالية من لبنان إلى الدول التي التجأوا إليها لتلقي علومهم. حوصر آلاف الطلاب على مدى أشهر في بلاد الاغتراب بلا مال، سوى من استطاع إليه سبيلاً وبتكلفة مضاعفة، بسبب تمنع المصارف عن إتمام تحويلات مالية من الحسابات المصرفية في لبنان. وفيما عانى الكثير من الطلاب من صعوبات كبيرة في تأمين معيشتهم مؤخراً، خلال أزمة انتشار فيروس كوفيد 19، تعرّض أهالي الطلاب إلى ضغوط من المصارف وابتزاز من قبل الصرّافين، أمام أعين السلطتين السياسية والنقدية، ومن دون أن يحرك أحدهم ساكناً.
بدأت أزمة الطلاب اللبنانيين في الخارج مع أزمة ارتفاع سعر الدولار في لبنان، مقابل تدهور العملة الوطنية، حين انخفضت إلى مستويات قياسية بلغت نحو 9500 ليرة للدولار، في وقت سابق، وتلازمت مع مصادرة المصارف اللبنانية لمدخرات اللبنانيين، ومنعهم من إجراء تحويلات مالية من حساباتهم لأولادهم في الخارج، متجاهلة مخاطر الأمر على مستقبل الطلاب، ومتمسكة بتنفيذ التحويلات من الأموال الجديدة فقط، وبالعملة الأجنبية. ولطالما ألزمت المصارف أهالي الطلاب اللبنانيين في الخارج على تنفيذ سحوبات نقدية من حساباتهم الدولارية وفق سعر الصرف المعمول به (1515 ليرة ثم 3000 ليرة ثم 3900 ليرة)، وشراء دولارات من السوق السوداء ثم تحويلها إلى أبنائهم في الخارج.. هذه العملية لم تكن لتسمى سوى بالسرقة العلنية أو السطو بالقوة.
لم يوفر أهالي الطلاب اللبنانيين في الخارج جهوداً إلا وبذلوها. وكان آخرها اعتصام أمام مصرف لبنان. لم تحصد جميعها سوى قرار اتخذ منذ أشهر يتيح لأهالي الطلاب التحويل النقدي عبر الصرّافين إلى الخارج وفق سعر صرف 3900 ليرة، وقرار مبتور لمصرف لبنان صدر أمس الأربعاء، تشوبه أكثر من شائبة. وقد أشاع الأخير حالة من الإحباط بين أهالي الطلاب، ولاقى اعتراضات كثيرة، لحرمانه الشريحة الأكبر من الطلاب من الاستفادة من التحويلات.
شوائب التعميم
شوائب عديدة تجعل القرار الصادر عن مصرف لبنان يوم الأربعاء، والمتعلق بالتحاويل إلى الطلاب اللبنانيين في الخارج مجحف وتمييزي، فالقرار المذكور (13257) يطلب من المصارف العاملة في لبنان السماح لذوي الطلاب اللبنانيين في الخارج بتحويل الأموال من حساباتهم بالدولار، بموجب تقديم مستندات تثبت تسجيل الطلاب قبل نهاية العام 2019، على أن يسمح لكل طالب بالتحويل سنوياً مبلغاً لا يزيد عن 10 آلاف دولار!
الثغرة الأولى تتعلق باشتراط أن يكون الطالب مسجلاً خارج لبنان قبل نهاية 2019. فذلك يحرم طلاب لبنان الجدد من فرصة الالتحاق بجامعات أجنبية، وبذلك يكون القرار منقوصاً، لأنه استثنى (من دون أي مبرر) آلاف الطلاب الجدد المسجلين في العام الدراسي 2020/2021.
الثغرة الثانية، ترتبط بعدم شمول قرار مصرف لبنان للطلاب وذويهم من أصحاب الحسابات المصرفية بالليرة اللبنانية، الذين يضطرون إلى شراء الدولار من السوق السوداء. كما ويستثني أيضاً الطلاب والأهالي الذين لا يملكون حسابات مصرفية على الإطلاق. فالقرار تناول فقط أصحاب الحسابات الدولارية. بمعنى أن مصرف لبنان بادر إلى تقديم الدعم لشريحة من الطلاب من جيوبهم، أي من حساباتهم المحجور عليها من قبل المصارف.
كذلك، فإن القرار لا يشمل أيضاً أصحاب الحسابات الدولارية الذين كانوا يغذونها بالليرة اللبنانية، ومنهم علي. ص. والد أحد الطلاب اللبنانيين في روسيا، الذي يوضح في حديث إلى “المدن” أن مدخوله بالليرة اللبنانية، وكان يغذي حسابه المصرفي الدولاري بالليرة شهرياً. لكن منذ بداية الأزمة لم يعد المصرف يسمح له بذلك، ما اضطره إلى شراء الدولارات من السوق السوداء، وتحويلها إلى إبنه، مستغرباً كيف يمكن أن يصدر قرار عن مصرف لبنان يحرم شريحة واسعة من الطلاب من حقهم بالتعلم.
ولا تقتصر الاعتراضات على الثغرات تلك، فالقرار وضع سقفاً متدنياً نسبياً للتحويلات إلى الطلاب، فلا يتجاوز السقف 10 آلاف دولار، شاملاً الأقساط الجامعية وإيجارات المنازل والمعيشة وغير ذلك، وهو سقف لا يكفي لتعليم أي طالب.
اللجوء إلى القضاء
وفي حين رأت رابطة المودعين وأهالي الطلاب، أن قرار مصرف لبنان المذكور أعلاه مخالف للقانون، لوضعه قيوداً غير مشروعة على حق الملكية، وأعلنت نيتها التوجه إلى القضاء، وجهت الجمعية اللبنانية لأولياء الطلاب في الجامعات الأجنبية، كتاباً إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، استغربت فيه نكس مصرف لبنان الاتفاق الحاصل بين الطرفين، والمبني على وعد من سلامة بإصدار تعميم يشمل المطالب التالية: اعتماد سعر الصرف الرسمي 1515 ليرة للدولار، تحويل الأقساط والمصاريف بما يعادل 10 آلاف دولار كحد أقصى، وتحرير التحويلات من الحسابات بالدولار لسداد الأقساط والتكاليف، وأن تكون التحويلات من حسابات التوطين والحسابات الجارية بالعملة اللبنانية إلى الدولار بالسعر الرسمي 1515 ليرة للدولار، وأن يتوجه الذين لا يملكون حسابات مصرفية في المصارف إلى الصرّافين المصنفين، وإلزامهم القيام بالتصريف على سعر المنصة الإلكترونية في مصرف لبنان. وطالبت الجمعية -في بيان لها- مصرف لبنان بإجراء المقتضى، لتحقيق ما تم الاتفاق عليه، لاسيما إقرار “الدولار الطلابي” أي اعتماد سعر الصرف الرسمي 1515 ليرة للدولار للطلاب في الخارج.
الدولار الطلابي
أما الدولار الطلابي، والمقصود فيه أن يتم إقرار تحويل كافة مصاريف وأقساط الطلاب اللبنانيين في الخارج وفق سعر صرف 1515 ليرة للدولار، من دون استثناء، فيبدو أنه بعيد المنال. ووفق مصدر في مصرف لبنان، فإن الأخير ربما يدرس استثناءات جديدة متعلقة بالطلاب في الخارج، قد تقضي بخفض السقوف المالية مقابل توسيع شريحة المستفيدين من الطلاب. لكن ذلك يبقى مجرد اقتراحات قيد البحث. ويقول المصدر في حديث إلى “المدن” أن الدولار الطلابي مستبعد بالنظر إلى الإمكانات المالية المتوفرة (تضاؤل الاحتياط الدولاري في المصرف المركزي).
اقتراح قانون
قبل صدور قرار مصرف لبنان، كان من المفترض أن يتم البت باقتراح قانون سبق لعدد من النواب التقدم به، قبل وقوع انفجار بيروت وتفاقم الأمور، وتأجيل الجلسات التشريعية. ويقضي اقتراح القانون المعجّل المكرّر بإلزام مصرف لبنان بصرف مبلغ 10000 وفق سعر الصرف الرسمي للدولار أي 1515 ليرة، عن العام الدراسي 2020/2021 لكافة الطلاب اللبنانيين الجامعيين، الذين يدرسون في الخارج. هذا الاقتراح، وإن كان لا يلبي تطلعات الطلاب وذويهم بالكامل، إلا أنه يبقى أقل سوءاً من قرار مصرف لبنان الأخير، فاقتراح القانون لا يستثني أي من الطلاب. كما يشمل سنتهم الجامعية الحالية 2020/2021.
ويرى النائب علي فياض (أحد معدّي اقتراح القانون) في حديث إلى “المدن”، أن الحل الجذري حالياً يقضي بأحد خيارين، إما إقرار اقتراح القانون الذي تم التقدم به من قبل النواب عاجلاً، والذي يشمل كافة الطلاب ولا يستثني العام الدراسي الحالي، أو أن يتم إصدار قرار جديد عن مصرف لبنان يشمل فيه الشرائح التي تم استثنائها في القرار الحالي، الذي يمكن وصفه بـ”الطبقي” لاسيما انه يقتصر على أصحاب الحسابات الدولارية فقط.
لا يكفي أن لبنان في أسوأ أحواله، بل أن مستقبله سيكون أسوأ بالتأكيد حين نتخيل أن الجيل الجديد سيكون محروماً من العلم.