أصدر رياض سلامة، أمس، بياناً غير مسبوق، توجّه فيه إلى وزير المالية بشكل مباشر وإلى وزير الطاقة بشكل غير مباشر، يعلم فيه وزير المالية أنه أرسل له كتاباً بالتاريخ نفسه، ويطلب في نهايته منه «الإجابة بالسرعة الممكنة نظراً إلى حساسية الوضع الحالي وحفاظاً على استمرارية عمل المرافق الأساسية كافة». وبحسب المعلومات، فإن الوزيرين ريمون غجر وغازي وزني لم يطّلعا على مضمون الكتاب إلا من خلال الإعلام، حيث نشره مصرف لبنان قبل وصوله إلى وزارة المالية.
المفاجأة الفعلية تجلّت بالنسبة إلى وزارة الطاقة في نسف البيان لكل نتائج المفاوضات واللقاءات التي كانت تجرى بين الوزارة والمصرف لتحديد حاجة مؤسسة كهرباء من الدولارات للعام 2021، وخاصة أن الاجتماع الأخير الذي عقد في مصرف لبنان، بتاريخ 4/2/2021، وضم وزير الطاقة ونواب حاكم مصرف لبنان والمدير العام لكهرباء لبنان، انتهى إلى طلب مصرف لبنان من المؤسسة تحديد أولوياتها والمبالغ المطلوبة بالعملة الأجنبية للعام 2021. وهو ما عمدت الأخيرة إلى تحضيره عبر مراسلة الشركات المتعاقدة معها لإفادتها بحاجاتها، قبل أن تقوم بوضع تصوّر لمتطلّبات القطاع، بما يضمن استمرار الصيانة والتشغيل للمعامل والمحافظة على الشبكة وحد أدنى من الاستثمار.
يوم الخميس عقد مجلس إدارة «كهرباء لبنان» اجتماعاً لحسم الأمر. وتم التوافق على مضمون الكتاب الذي أرسل إلى حاكم مصرف لبنان، صباح أمس، متضمّناً تفاصيل تتعلق بالأموال التي تحتاج إليها بالعملة الأجنبية، علماً بأن الكتاب نفسه عاد وزير الطاقة وأرسله إلى المصرف المركزي. عند هذا الحد، كانت تتوقع الوزارة أن يعمد المصرف إلى التواصل معها أو مع كهرباء لبنان لمناقشة مضمون الكتاب أو تسجيل ملاحظات على المبالغ المطلوبة. كل ذلك لم يحصل. تجاهل المصرف كل ما اتفق عليه، وبدلاً من أن يعمد، على سبيل المثال، إلى إبلاغ المعنيين أنه لا يمكنه أن يلتزم بكل المبالغ المطلوبة وأن يطلب من المؤسسة حصر نفقاتها، ذهب إلى قلب الطاولة في وجه «الطاقة» و«كهرباء لبنان» وضم إليهما وزارة المالية والحكومة. اكتفى بطرح مسألة الكهرباء كجزء من ملف الدعم بشكل عام، متغاضياً حتى عن إعلام وزارة الطاقة بموقفه المستجد بشكل رسمي، ومتجاهلاً إشارة مؤسسة «كهرباء لبنان» (وصفها بالشركة في بيانه)، إلى أن العقد مع الشركة المشغلة لمعملَي دير عمار والزهراني، إضافة إلى عقود التأمين على المعملين، ينتهي في 15 شباط الحالي، ما يتطلب الحصول على إجابة لتتمكن من الاستمرار في تشغيل وصيانة المعملين لمدة سنة إضافية.
الموقف الجذري الذي اتخذه المصرف بشأن قطاع الكهرباء لم يكن مفهوماً بالنسبة إلى مصادر في وزارة الطاقة، وخاصة أن المصرف لم يتعامل بالطريقة نفسها مع مسارات دعم أخرى، لا يختلف اثنان على أنها تشكّل هدراً كبيراً لأموال مصرف لبنان، فالبنزين والمازوت يذهب جزء من دعمهما إلى غير مستحقين، ودعم المواد الغذائية يذهب في معظمه إلى التجار.
في البيان ــــ الكتاب، لم يكتف المصرف بالتملّص من التزامه تأمين حاجة الكهرباء من الدولارات، فسعى إلى حشر الحكومة، التي تخشى اتخاذ القرار وتحاول إبعاد الكأس المُرّة عنها، في زاوية وجوب حسم أمرها لناحية ترشيد الدعم.