في دولة تفتقد إلى رئيس جمهورية، وحكومة أصيلة، ومجلس نواب فاعل، وحاكم مصرف لبنان أصيل، وقريباً يفرغ من قائد جيش أصيل… كيف به يسارع إلى وضع خطط طوارئ على حبال اقتصادية ومالية رَخوة ومترهّلة لن توفّر له أدنى مقوّمات الصمود من دون الوقوع في أتون تداعيات الحرب المحتَملة! ولن يبقى للبنانيين عندها سوى العناية الإلهيّة التي طالما كانت حبل الخلاص من مآسيهم… وما أكثرها!
الحلول.. كل الحلول مؤجّلة ترقّباً لأسوأ يلوح في أفق الواقع الأمني جنوباً. لكن وإن سَلِم اللبنانيون من صواريخ العدوان المحتَمَل، فلن يسلموا من غياب أي معالجة تَقيهم العَوَز على أبواب فصل الشتاء… وهنا الأبرز على خط تماس الحلول المنتَظرة، هو الودائع المكبّلة أو المفقودة في أروقة تفلّت الدولة من مسؤوليّتها في إرجاع تلك الودائع إلى أصحابها.
“الودائع ستدفعها الدولة” يقول مصدر مالي لـ”المركزية”، “لكنها اليوم منشغلة في التحوّط لحرب مفتَرَضة مع إسرائيل، وفي هذه الحال مَن انتظر 5 سنوات للحصول على ودائعه فسينتظر تمرير هذه الفترة إلى حين استتباب الاستقرار الأمني وزوال هاجس الحرب من النفوس”.
ويؤكد أن “المصارف تسعى جاهدة إلى تأمين استمراريّتها في ظل الظروف الراهنة ترقباً للحلول الجذرية التي طالما انتظرتها ولا تزال… لكن إلى أي مدى قادرة على الصمود تحت وطأة الضغوط الأمنية بفعل حرب غزّة، والاقتصادية بفعل الجمود والشلل الاستثماري!”.
“فالحالة هذه، تستنزف سيولة المصارف بالدولار الأميركي شيئاً فشيئاً”، يُضيف المصدر، “علماً أن لديها نفقات كبيرة ومتعدّدة بالدولار النقدي، فيما مداخيلها محدودة بما لا يمكّنها من تغطية كامل احتياجاتها ونفقاتها…الأمر الذي يستنزف سيولتها ويعرّضها لمخاطر لن تسلم منها هي ومودِعيها”.
إلى متى ستسمر في انتظار الحلول الجذريّة في ظل الاستنزاف اليومي لسيولتها الدولاريّة، على وقع قرع طبول الحرب؟! فيُجيب: في حال اندلاع الحرب سيُقفل مطار بيروت حتماً، عندها لن تستطيع المصارف تأمين الدولارات المطلوبة من الخارج لتلبية احتياجات عملائها من العملة الأجنبية…
وهنا يستذكر حرب تموز من العام 2006 “حين كانت المصارف قلقة على هروب الرساميل إلى الخارج، أما اليوم فهي لا تهاب الحرب ولا تخشى شيئاً لأن لا رساميل تخاف أن تخسرها… ولا يبقى سوى هَمّ الودائع رابضاً في الأذهان إلى حين جلاء غيمة الحرب ومبادرة الدولة إلى إيجاد الحلول لهذا الموضوع الحسّاس”.
ويشير في المقلب الآخر، إلى أن “الحالة الاقتصادية ماضية في الانحدار، والمشكلة ليست في المصارف فقط، بل يجدر السؤال في السياق: أين هيئة إدارة سير الآليات والمركبات (النافعة)؟ أين الدوائر العقارية؟ فلو كانت أبوابها مفتوحة لتسيير شؤون المواطنين وتزاول مهامها بشكل طبيعي لكانت رفدت الخزينة العامة بأموال وعائدات طائلة إن الدولة في أمَسّ الحاجة إليها في هذه الظروف الصعبة”.
ويتابع في معرض عرضه لانهيار الاقتصاد الوطني: لقد مرّت المياه الإقليمية من تحت أرجل الدولة من دون أن تشعر بأنها خسرت مرفأ بيروت مقابل مرفأ حيفا، وخسرت نفطها التجاري مقابل تعزيز تسويق إنتاج إسرائيل النفطي في العالم… إلخ. وعندما فاقت من غيبوبتها استشعرت خطورة الوضع من دون أن تحرّك ساكناً، بل سارعت إلى إلقاء الملامة على الغير تهرّباً من مسؤولياتها.
وليس بعيداً، يأسف “لهذا العدد المَهول من النازحين السوريين في لبنان والذي ناهز الثلاثة ملايين!” ويقول: لو كانت هناك حكومة أصيلة وجديّة لكانت فاوضت سفراء الدول لتأمين عودة آمنة لهم.. لكن الفشل في إيجاد الحلول يطاول هذا الملف أيضاً كغيره من الملفات… للأسف.