يواجه موظفو المصارف مصيراً مجهولاً لأسباب متعدّدة، منها ما يرتبط بتجاهل السلطة لمسألة تعويضات نهاية الخدمة، وهو حال آلاف الموظفين في قطاعات أخرى، ومنها ما يرتبط بتعويضات الصرف اللاحقة بالعاملين بالقطاع المصرفي تحديداً. ومع تقدّم الحديث عن إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وارتفاع احتمالات حصول عمليات دمج مصرفي، وربما تصفية مصارف، تزيد الصورة ضبابية لجهة مصير العاملين بالقطاع المصرفي وكيفية خروجهم أو استمرارهم، في حالات الدمج أو التصفية المحتملة لأي مصرف.
من هنا حمل اتحاد نقابات موظفي المصارف سلة ملفات عالقة، ترتبط بمصير موظفي المصارف، وباشر جولته على الكتل النيابية، للدفع باتجاه التحرك في اللجان النيابية لإيجاد الحلول الضامنة لحقوق الموظفين. وقد التقى وفد من الاتحاد مع النائب رازي الحاج من تكتل الجمهورية القوية على أن تجري لقاءات في الأيام المقبلة مع مختلف الكتل النيابية الأخرى.
“ظلم” تعويضات نهاية الخدمة
يتصدّر ملف تعويضات نهاية الخدمة قائمة هموم العاملين بالقطاع الخاص، لاسيما منهم ذوي المداخيل الدولارية. فالحكومية حين ضاعفت عموم الضرائب في موازنة عام 2024 نحو 60 مرة، شملت معها ضريبة الدخل على الرواتب والأجور، في حين أبقت على تعويضات نهاية الخدمة من دون تعديل.
وبالعودة إلى موازنة العام 2024، ورد نص واضح بالنسبة لضريبة الدخل على ذوي المداخيل بالدولار، وتمت مضاعفتها عشرات الأضعاف، في حين تم حذف التعديل المقترح على المادة المتعلّقة بتعويضات نهاية الخدمة. ولم يتم وضع بديل، على أن يُعمل لاحقاً على إصدار قانون يتعلق بتعويضات نهاية الخدمة. إلا أن ذلك لم يحصل. وبالتالي، استمرت عملية احتساب تعويضات نهاية الخدمة على أساس سعر صرف 1500 ليرة للدولار.
ويسأل رئيس اتحاد نقابات موظفي المصارف جورج الحاج في حديث إلى “المدن”، ما هو مصير الموظفين الذين قد يتم صرفهم في هذا العام؟ وكيف سيتقاضون تعويضاتهم؟ ويقول: كما هناك حق، هناك أيضاً واجب. وكما يسدد الموظف ضريبة الدخل على سعر الدولار الحقيقي، لا بد أن يتقاضى تعويضه على السعر نفسه.
“لا يمكن أن أسدد ضريبتي على 89500 ليرة، وأتقاضى تعويضي على 1500 ليرة”، يقول الحاج، ويضيف: “ولكن كي أكون موضوعياً، لا بد من الاعتراف بأن هناك الكثير من المؤسسات ليس لديها القدرة على سداد التعويضات على سعر الصرف الحقيقي. وليس لديها مؤنات كافية. لذلك، لا بد من طرح الموضوع للنقاش جدياً وفي وقت قريب”.
بالمقابل، تواجه بعض المؤسسات هاجساً من أن يجري تطبيق النص الذي كان مقترحاً قبل شطبه، والذي يفرض احتساب تعويضات نهاية الخدمة لما قبل 31 كانون الأول 2023 على أساس سعر صرف 15000 ليرة، في وقت لم تأخذ مؤسسات القطاع الخاص احتياطات بهذا الشأن. فالموضوع صعب وليس سهلاً. لكن لا يمكن تأجيله بهذا الشكل وتجاهله، على حد تعبير الحاج، الذي طالب الاتحاد العمالي العام بدعوة كافة الأطراف من موظفين وهيئات اقتصادية عاجلاً، لفتح باب النقاش بهذا الملف، تجنباً لإلحاق الأذى بموظفي المصارف وبعموم موظفي القطاع الخاص الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار.
أزمة تعويضات الصرف
ولا تقتصر معاناة موظفي المصارف اليوم على مسألة تعويضات نهاية الخدمة، فهناك أيضاً غبن لاحق بهم لجهة تعويضات الصرف، وتحديداً بالمادة الرابعة من قانون الاندماج المصرفي، التي تستلزم تعديلاً لحفظ حقوق الموظف المصروف، لاسيما مع تقدّم الحديث بموضوع إعادة هيكلة القطاع المصرفي وتزايد احتمالات دمج مصارف وربما تصفية بعضها الآخر.
ويقول الحاج إن مجلس النواب لم يكترث بتعديل المادة الرابعة من قانون الإندماج. وهي التي تتعلق بموظفي المصرف موضوع الدمج. ففي حال دمج مصرفين، يحق للمصرف الدامج صرف الموظفين خلال مدة 6 أشهر، ومنحهم بالحد الأدنى تعويضات بقيمة 6 أشهر، وبالحد الأقصى 3 سنوات، بالإضافة إلى ربطها بشهر واحد عن كل عام خدمة. ولكن في ظل التضخم الحاصل اليوم، لا قيمة لهذا التعويض، بحسب الحاج. وهذا يعني رمي الموظف خارج المصرف بلا تعويض محق، وهو الذي تحتجز وديعته بالمصرف كما باقي المودعين.
وليست التعويضات الهزيلة بالأمر المستجد. فالمصارف عمدت إلى منح تعويضات لا تكفي لتأمين الحد الأدنى من معيشة الموظف المصروف، على مدار السنوات القليلة الماضية. وهنا لا نتحدث عن قلّة من الموظفين المصروفين، إنما عن الآلاف منهم.
وقد تراجع عدد موظفي المصارف، حسب أرقام مصرف لبنان، من 24704 موظفين في شهر كانون الأول 2019 إلى 14693 في شهر تموز 2023. ما يعني أنه تم صرف 40 في المئة من العاملين بالقطاع المصرفي، في حين كان عدد الموظفين في كانون الأول 2022 نحو 15537 موظفاً. ما يعني أن المصارف صرفت خلال عام واحد فقط أكثر من ألف موظف. أولئك المصروفون على مدار سنوات لم يتقاضَ أي منهم تعويض صرف يوازي ما كان يتقاضاه الموظف قبل العام 2019 في الحالة نفسها.
وفي حال شهد القطاع المصرفي في المرحلة المقبلة عمليات دمج أو تصفية، في إطار إعادة هيكلة محتملة، فالموظفون سيشكّلون الحلقة الأضعف، ما لم يتم إيجاد مظلة حماية لحقوقهم في وقت قريب.