في الشكل بدا الأمر خطوة على طريق احتواء تأثير انهيار سعر الليرة أمام الدولار على القدرة الشرائية للمواطنين، بينما هو ليسَ كذلِك. بل هو الذهاب بالبلاد في ذروة الأزمة إلى المزيد من الانهيار. فمنح العاملين في القطاع العام «مساعدة اجتماعية» على النحو المقترح في لجنة المال والموازنة النيابية، يحرّر الحكومة من إعداد وإقرار سلسلة الرتب والرواتب ويعفيها من إدخال تصحيح الأجور ضمن تعويضات نهاية الخدمة. هكذا يصلح تسمية الخطوة بشراء الذمم قبل الانتخابات. وبما أن تصحيح الأجور في القطاع العام يختلف في آلياته عن التصحيح في القطاع الخاص، فإن البحث عن الإيرادات بات الشغل الشاغل لأعضاء اللجنة النيابية. لم ينتبه هؤلاء إلى أن مصرف لبنان خلق، عمداً، كتلة نقدية للتداول في السوق تبلغ 37 ألف مليار ليرة بين كانون الثاني 2019 و15 تشرين الثاني 2020، أي بزيادة 669.5%، ليصبح همّهم اليوم ألا يحصل العاملين في القطاع العام على زيادة مموّلة من طباعة النقد بقيمة 5500 مليار ليرة، أي ما يوازي 14% مما طبعه مصرف لبنان في فترة ما بعد الانهيار.
هكذا، تدرس الكتل النيابية في لجنة المال والموازنة، اقتراحاً بمنح العاملين في القطاع العام «مساعدة اجتماعية، وبتمويلها عبر اقتراح من وزير المال يوسف الخليل بزيادة الرسوم الجمركية بواسطة زيادة الدولار الجمركي من 1500 ليرة إلى ما بين 12 ألف ليرة و16 ألف ليرة. وبحسب مصادر مطلعة، فإن الاقتراح جاء أصلاً من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بأن يزاد الدولار الجمركي إلى 14 ألف ليرة لتأمين كتلة نقدية بقيمة 5000 مليار ليرة يمكن من خلالها تسديد «المساعدة الاجتماعية». وزيادة الدولار الجمركي تعني بشكل مباشر، زيادة الرسوم الجمركية على السلع والبضائع وهو أمر يؤدي مباشرة إلى تعميق موجة الركود التضخمي التي تعصف بلبنان حالياً. بالتالي سيؤدي هذا الإجراء إلى زيادة هائلة في الأسعار تمنع المستهلكين رغم حصولهم على «المساعدة الاجتماعية» من شراء السلع الأساسية ما يعزّز الركود أيضاً.
وقد أعلنَ رئيس اللجنة النائب إبراهيم كنعان أن «وزارة المال وافقت مبدئياً على اقتراح المساعدة الاجتماعية للقطاع العام واقترحت تعديلات سلّمتنا إياها وسنناقشها». وأشار أكثر من مصدر في اللجنة ومن خارجها أيضاً إلى وجود إجماع حولَ ضرورة إقرار المساعدة، وبعضهم تحدث عن أن «التعديل الضريبي المقترح من وزير المال لا يستحوذ توافقاً لكنه الخيار الوحيد المتوافر». وترى المصادر أن هذه المساعدة هي عبارة عن «نصف قيمة الراتب»، على أن يكون «حدّها الأدنى مليون ليرة والأقصى ثلاثة ملايين». أما كلفتها وفق ما صرّح به خليل في اللجنة، ستبلغ 5500 مليار ليرة.
مسار «المساعدة الاجتماعية» عدا عن كونه مساراً حاقداً تجاه كل المستهلكين في لبنان، فإنه بدأ في لجنة المال والموازنة خلافاً للمسار التقليدي الذي يفترض أن يقترح وزير المال على الحكومة، وأن تقرّ اقتراحها وتحيله إلى مجلس النواب لمناقشته وإقراره. لكن في كل الأحوال سيعود الاقتراح إلى الحكومة، وبحسب المعطيات، فإن إقراره، في حال استمرّ عمل الحكومة معطّلاً، سيكون عبر «مرسوم جوال» كما تشير مصادر وزارية.