لا تقتصر الممارسات التعسّفية بحق الموظفين عموماً على الشركات اللبنانية، لاسيما تلك التي تتصدّر قائمة الشركات المتأزمة بفعل التدهور الاقتصادي، المتفاقم بالسنوات الأخيرة. بل تشمل الشركات الأجنبية والعالمية أيضاً. فهي الأخرى تنتهك حقوق عاملين لديها، وتقتطع من مستحقاتهم المالية من دون وجه حق.
منذ تفجّر الأزمة المالية في لبنان عمدت العديد من شركات الأدوية العالمية إلى إغلاق فروعها ومكاتبها في لبنان، في حين أجرى بعضها إعادة هيكلة، فقلّصت الشركات عدد مكاتبها وموظفيها بما يتلاءم مع تراجع أعمالها وأرباحها في السوق اللبنانية.
تقليص شركات الأدوية العالمية لأعمالها في لبنان، لم ينعكس سلباً على الموظفين فحسب، بل أيضاً على قطاعات تترابط أعمالها مع شركات الأدوية، كشركات التوزيع والوكلاء والمختبرات وغيرها. اليوم وبعد مرور سنوات على صرف عدد من شركات الأدوية موظفين لديها، عادت قضية المصروفين إلى الواجهة، بسبب انتقاص الشركات من حقوقهم، على ما يؤكد أكثر من موظف مصروف من العمل.
اقتطاع بالدولار وسداد بالليرة
منذ بداية الأزمة عام 2019 أقفلت نحو 60 في المئة من المكاتب العلميّة التابعة لشركات الأدوية العالمية أبوابها، أو خفضت عدد العاملين لديها. وكانت النتيجة صرف غالبية الصيادلة العاملين في المكاتب العلمية والبالغ عددهم 1200 صيدلي، حسب نقيب الصيادلة جو سلّوم.
وحسب المعلومات، فقد تم صرف مئات الموظفين من شركات الأدوية العالمية، وتم فسخ عقودهم في الفترة الممتدة بين 1 تموز 2019 ولغاية 30 أيلول 2022. وقد سدّدت الشركات العالمية تعويضات مالية للمصروفين، كما اقتطعت من تلك التعويضات ضرائب الدخل المتوجبة عليهم حسب القانون. وبالنظر إلى أن سداد التعويضات تم بالدولار الأميركي، فإن الإقتطاعات الضريبية جرت أيضاً بالدولار، على الرغم من أن ضريبة الدخل يتم سدادها لحساب الخزينة العامة بالليرة اللبنانية.
وجاءت الاقتطاعات الضريبية من التعويضات على الشكل التالي: لو أخذنا تعويضاً لأحد المصروفين على سبيل المثال بقيمة 10 آلاف دولار، فقد اقتطعت منه الشركة ضريبة الدخل بقيمة 2000 دولار نقداً، وسدّدتها للخزينة العامة بقيمة 3 ملايين ليرة لبنانية. بهذه العملية وبالنظر إلى عدد المصروفين وحجم تعويضاتهم، يقدّر مصدر مطلع على عمل شركات الأدوية العالمية، أن الأخيرة وفّرت من عملية اقتطاع ضريبة الدخل لصالحها ما لا يقل عن مليون و500 ألف دولار لكل شركة.
الشركات تحتجز مستحقات المصروفين
جريمة أخرى ترتكبها بعض شركات الأدوية، تتمثل بنكثها بوعدها للمصروفين ومخالفتها للقانون. ويفيد المصدر بأن الشركات وعدت الموظفين المصروفين حين سدّدت لهم تعويضاتهم، بأنها ستعيد ما تم اقتطاعه من تلك التعويضات في حال صدور إعفاء ضريبي عن وزارة المال.
ومنذ صدور الإعفاء الضريبي بموجب القانون النافذ رقم 10 الصادر بتاريخ 15-11-2022 (قانون الموازنة العامة للعام 2022) والمتعلّق بإعفاء الموظفين المصروفين من الإقتطاع الضريبي من تعويضات الصرف، لم تلتزم الشركات العالمية بالإعفاء، ولم تعِد للموظفين المصروفين ما تم اقتطاعه من تعويضاتهم.
وفي حين تنفي رئيسة تجمع شركات الأدوية العالمية في لبنان، كارول حسون، علمها بقضية تعويضات الصرف واحتجاز بعض شركات الأدوية مقتطعات ضريبية من دون وجه حق، يؤكد النقيب سلّوم ورود شكاوى بهذا الإطار من صيادلة مصروفين، وتكليف محامي نقابة الصيادلة بالتحرّك ومتابعة القضية، ومراسلة شركات الأدوية لمطالبتها بالإلتزام بالقانون، وسداد مستحقات الصيادلة.
وحسب المعلومات، فإن دعاوى قضائية يتم التحضير لها بوجه عدد من شركات الأدوية العالمية من بينها Novartis وMSD وGSK وBoehringer. ويؤكد المصدر أن بعض الشركات وافقت على رد المبالغ المحصّلة من تعويضات المصروفين إنما بالليرة اللبنانية، علماً أن اقتطاعها تم بالدولار النقدي.
بالمحصلة، تحتجز شركات أدوية عالمية أموالاً مستحقة لموظفين مصروفين يقدّر مجموعها بملايين الدولارات، ويُرتقب دخول الملف مساره القانوني لتحصيل حقوق الموظفين والصيادلة المصروفين.