عندما يمرّ بلد بأزمة مالية وإقتصادية حادّة كتلك التي نعيشها اليوم في لبنان، يتم اللجوء عادة الى إعلان حالة طوارئ تشمل السلطات والمؤسسات والوزارات والإدارات التابعة للدولة، وتتخذ إجراءات تقشفية لوقف النزف المالي وحماية الخزينة من الإنهيار، وأخرى لضبط تحويل وتهريب الأموال الى الخارج كما حصل قبل وبعد احتجاجات ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩. واذا كانت هناك مؤسسات رسمية أو شركات خاصة أو تابعة للدولة، ولديها أموال في الخارج، يطلب منها تحويلها الى بيروت لدعم السيولة بالعملة الصعبة، كما طلب مصرف لبنان من المصارف عبر القضاء المالي زيادة أرصدتها في لبنان من خلال الاموال التي تملكها في فروعها الخارجية وهذا ما حصل الأسبوع الماضي. ولكن ماذا لو كان المصرف المركزي نفسه يملك نسبة ٩٨ ٪ من أسهم شركة طيران الشرق الاوسط، وفي حساباتها الخارجية الملايين من الدولارات؟.
نعم للميدل إيست ملايين الدولارت في الخارج، ولبنان وإقتصاده وماليته العامة بأمس الحاجة لها، ليعاد إستثمار هذه الأموال في إستيراد المواد الأولية أو في تأمين القروض من سكن وصناعة وزراعة، كل ذلك من دون أن يطلب أحد من هذه الشركة تحويل هذه الأموال الى المصارف القائمة داخل الأراضي اللبنانية لدعم السيولة بالعملة الصعبة أي الدولار. وفي هذا السياق، يؤكد مصدر قانوني متابع للملف، أن شركة طيران الشرق الأوسط لم تعد تحوّل بعد ١٧ تشرين الأول الفائت كل الأموال التي تتقاضاها في الخارج عبر مكاتبها من كل شخص يريد أن يحجز تذكرة سفر. وفي التفاصيل، يقول المصدر نفسه، “في أميركا وفي عدد من الدول الأوروبية لطالما إعتادت مكاتب الشركة المذكورة على إيداع الأموال التي تتقاضاها من الزبائن، إما نقداً وإما عبر البطاقات المصرفية وحتى تلك المدفوعة بالبطاقات عبر الإنترنت، في فروع المصارف اللبنانية أو الأجنبية المنتشرة في هذه الدول، ولكن في دول الخليج وجزء من القارة الأوروبية، كانت الشركة تبقي على المحصلة في مصارف تلك البلدان الى حين أن بدأت تواجه صعوبات في التحصيل لا سيما في السنوات العشر الماضية، الأمر الذي جعلها تعدل في سياستها المالية ودفعها الى تحويل هذه الأموال الى بيروت.
بعد ١٧ تشرين الأول، وتحديداً بعد زيادة الطلب على الدولار، توقفت تحويلات الميدل ايست من الخليج وجزء من أوروبا الى لبنان، وهنا يقول المصدر، حتى الأجنبي الذي يحجز تذكرة سفره من مكتب للشركة في بيروت ويدفع ببطاقة مصرفية أجنبية، تبقي هذه الأموال المحصلة منه في الخارج. كل هذه الأموال، تحرم منها الدورة المالية والإقتصادية في لبنان، وعلى سبيل المثال لا الحصر، صرح مدير عام الشركة محمد الحوت أن أرباحها عن العام ٢٠١٩ بلغت ٥٥ مليون دولار، وعادة لا تصرح الشركات بكامل أرباحها، وبحسب جدول منشور على موقع الميدل ايست الإلكتروني، وصلت أرباح الشركة بين عامي ٢٠٠٢ و ٢٠١٥ الى ما يزيد عن ٨٨١ مليون دولار، وهنا لا بد من الإشارة الى أن مبيعات الشركة خارج لبنان تتفوق عادة على مبيعاتها داخل لبنان نظراً لأعداد الجاليات اللبنانية المنتشرة حول العالم، ويصل مجموع الإيرادات السنوية إلى مئات ملايين الدولارات، فهل من يسائل الشركة عن عدم تحويل أموالها الى لبنان؟ حتى اللحظة لا، ولكن في المستقبل القريب، سيكون هناك تحرك قضائي على هذا الصعيد، إذ تشير المعلومات الى أن القيادي في التيار الوطني الحر المحامي وديع عقل يعمل على إعداد ملف عن اموال الشركة، وعندما يجمع أكبر عدد ممكن من المستندات، سيضعه بتصرف القضاء لفتح تحقيق كي يبنى على الشيء مقتضاه.
والى حين إكتمال ملف عقل، لا بد من طرح السؤال، مصرف لبنان يملك الشركة، فلماذا لا يسائلها أم أنه بات بحاجة الى مساءلة عن أموال المودعين والسياسات المالية؟ يبدو أن الإحتمال الثاني هو الأقرب الى الواقع.