تزداد قضية مستحقات الجامعة اللبنانية من أموال فحوص الـPCR، تعقيداً. فنحو 52 مليون دولار من الأموال المجباة عبر إجراء فحوص الإصابة بفيروس كورونا، ما زالت في حساب خاص ولم تُدفَع، رغم وجود قرار من ديوان المحاسبة يلزم الشركة اللبنانية للنقل LAT وشركة الشرق الأوسط للخدمات الأرضية MEAG، بتحويل الأموال إلى حساب الجامعة لدى مصرف لبنان. ومع إثارة الموضوع في اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة التربية النيابية، عَلا السقف كثيراً حتّى وصلت القضية إلى المفاضلة بين دفع الأموال للجامعة أو إقفال مطار بيروت.
إصرار على عدم الدفع
بموجب الاتفاق الموقَّع في العام 2020 بين وزارة الصحة والجامعة اللبنانية والمديرية العامة للطيران المدني في مطار بيروت، تُحلّل الجامعة في مختبراتها، نتائج الفحوص التي يدفع كل مسافر ثمنها لشركة الطيران، بقيمة 50 دولاراً. تذهب لشركتيّ الخدمات الأرضية، التي بدورها تحولّها إلى حساب الجامعة لدى مصرف لبنان. ومنذ عامين، يدور السجال حول عدم تحويل أكثر من 10 ملايين دولار، دُفعت وفق سعر منصة صيرفة حين كان على 3900 ليرة.
ومنذ الأوّل من تموز 2021، ترفض الجامعة اللبنانية قبول التحويلات ما لم تكن بالدولار النقدي “لأن شركات الطيران تدفعها بالدولار، والشركتين اللبنانيّتين تتقاضاهما بالدولار النقدي، وعليهما التحويل بالدولار النقدي”، وفق ما تقوله لـ”المدن”، مصادر إدارية في الجامعة. وهذا القرار المستند إلى العقد والمدعوم بقرار ديوان المحاسبة، طُرِحَ في اجتماع اللجنة الفرعية يوم الأربعاء 24 آب، فما كان من المدير العام لشركة طيران الشرق الأوسط MEA محمد الحوت، إلاّ الامتعاض والقول بأن “رئيس الجامعة (فؤاد أيوب) رفض أخذ المبالغ حتى بعد طرح إمكانية دفعها على سعر 8000 ليرة. ولو كان أخذها في حينه لكانت الجامعة قد ربحت كثيراً (جرّاء فارق سعر الصرف حالياً)”. رَفَضَ بعض أعضاء اللجنة هذا الكلام، وأصرّوا على التزام الحوت بمضمون العقد وبقرار ديوان المحاسبة.
كثرت النقاشات والآراء خلال الجلسة، واحتَدَّ الحوت. فما كان من أحد النواب إلاّ تهدئة الأجواء ومحاولة الانطلاق من نقطة قانونية واضحة. فسألَ الحوت عمّا إذا كانت لديه النية بالالتزام بقرار الديوان. فأجاب الحوت، بوصفه المدير العام للميدل إيست المسؤولة عن شركة MEAG، بأن “ديوان المحاسبة شكّك بصحة العقد”. ووفق ما تقوله المصادر، أصرّ الحوت على الاحتكام للقضاء قائلاً “أنا لا أرضى إلا بقرار قضائي، وإذا حَكَمَ لصالح الجامعة، فسأدفع مليون دولار إضافية”.
وإلى حين الوصول إلى حلّ، سألَ أحد النواب عن مكان الأموال المجمّعة. فأجاب الحوت أنها “في حساب في أحد المصارف”. أي في حساب خاص. وعلى الفور، أشار النائب إلى أن هذه الحالة هي بمثابة “إثراء غير مشروع على حساب الغير”، فاستشاط الحوت غضباً. وفي حديث لـ”المدن”، قال الحوت بأنه لا يريد الدخول “في سجالات حول الموضوع.. وقلت ما لديّ في اجتماع اللجنة”. موضحاً أن المبلغ المعني “ليس كلّه مسجَّلاً على الميدل إيست، بل 65 بالمئة منه على شركات طيران أجنبية”.
ابتزاز واحتماء بنبيه برّي
إقفال بعض النواب سبل التملّص أمام الحوت، دفعه للاستنجاد بما أسماه “طلب الرئيس نبيه برّي، الاستمرار بتشغيل المطار”. ويعني الحوت بذلك أن برّي عهد إليه فعل ما يستطيع لضمان حسن سير العمل في المطار، بفعل عجز الدولة عن تغطية النفقات بالدولار. والتزاماً بالطلب، أكّد الحوت، وفق مصادر في اللجنة، أنه “يدفع الكثير من الأموال لتشغيل المطار، ومن ضمنها نفقات تشغيلية ونفقات سفر رؤساء ونواب ووزراء. وإذا دفَعَ المال للجامعة اللبنانية، فإنه لن يدفع للمطار، ما يعني إقفال مطار بيروت”. وهنا، اجتمع نواب تغييريون ونواب من حركة أمل على رفض هذا الكلام، ووصفوه بـ”الابتزاز”. وسألَ أحد النواب الحوت عمّا إذا كان ما يدفعه للمطار “هو هبة أم دين على الدولة يفترض تحصيله لاحقاً”. حينها هَدَأ الحوت وأكّد أن كلامه ليس ابتزازاً، بل توضيح لما يتكبّده من أموال لتسيير العمل في المطار. ولم يعرّج على ما إذا كان ما يدفعه هبة أم دين على الدولة يُدفَع بلا اتفاق واضح وصريح.
وما قيل في الجلسة يُفترض توثيقه في محضر. ومع ذلك، تؤكّد المصادر أن الإجابة على طَلَبَ المحضر مُعَدَّة سلفاً، وهي “قرار من رئيس المجلس”. أمّا تجربة الاستعانة بالمحاضر، فحدّث بلا حَرَج. فلا محاضر يُفرَج عنها، وتغييراتٌ بالجملة إذا أفرج عن أحدها لغرضٍ ما.
نحو عامين من التجاذب لم يسفر إلاّ عن حرمان الجامعة اللبنانية ووزارة الصحة من المستحقات. فمصرف لبنان الذي يفترض أن تصل إليه الأموال، لم يحوّل شيئاً. أما وزارة الأشغال، الوصيّة على المديرية العامة للطيران المدني، والتي بدورها المسؤولة عن شركتيّ LAT وMEAG، فغائبة أسوة بوزارة الصحة. وأيضاً، لا تتسلّح إدارة الجامعة اللبنانية سوى بالحوار العقيم مع الحوت الذي يحتمي ببرّي الذي بات مطلوباً منه اتخاذ موقف حاسم.