انشغل أكثر من 320 ألف موظف ومتقاعد في القطاع العام اللبناني بحسابات الحصيلة الناجمة عن قرار مجلس الوزراء منح زيادات جديدة على أصول الرواتب، وحوافز إضافية لبدلات النقل والمساعدات الاجتماعية، فيما دبّت حماسة ظاهرة في أوساط نقابات القطاع الخاص للدفع باتجاه تصحيح فوري للحد الأدنى للأجور ولواحقه، من بدلات نقل وتقديمات تعليمية وصحية.
وتسبّبت معمعة الأرقام المبهمة في احتساب كلفة الملحقات المتغيرة من محروقات وبدلات نقل وحضور وإنتاجية وسواها، في تباين التقديرات الإجمالية للكلفة المحتسبة بالليرة، ليتبين وفقاً لمصادر معنيّة في البنك المركزي، أن الرقم الخاص بمخصصات الرواتب يتراوح بين 115 و120 مليون دولار شهرياً، أي بإضافة نحو 40 مليون دولار على المستحقات السارية قبل القرار الجديد.
وتبقى هذه التقديرات غير نهائية إلى حين إعداد جداول الصرف الجديدة، فيما وافق حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، مسبقاً على سداد المخصصات المستحدثة للقطاع العام بالدولار النقدي، تبعاً للآليات السارية حالياً، وضمن موجبات الحفاظ على الاستقرار النقدي، وما يوجبه من مقتضيات لجهة الاستمرار بسياسة الضبط المحكم للكتلة النقدية بالعملة الوطنية، على أن تتكفل الحكومة بالتغطية الكافية لأي إنفاق عبر موارد الخزينة وما تجبيه من رسوم وضرائب بالليرة وبالدولار.
حرص على الاستقرار النقدي
وتحرص قيادة السلطة النقدية على تكريس الاستقرار في أسواق القطع، كمرتكز أساسي للانتقال نهائياً إلى مرحلة توحيد سعر الصرف عند مستوى 89.5 ألف ليرة للدولار، بعدما ألزمت المؤسسات المصرفية باعتماده حصرياً في إعداد بياناتها المالية الدورية وميزانياتها الفصلية والسنوية، بدءاً من أول العام الحالي، وبعدما جرى اعتماد هذا السعر في قانون الموازنة واحتساب موارد الخزينة وبدلات الخدمات العامة.
ويؤمل أن تتوازن الأسواق تلقائياً مع مفاعيل الزيادات الطارئة على مداخيل العاملين في القطاع العام بداية، واحتواء زيادات مماثلة مرتقبة في القطاع الخاص، حيث يكفل الإنفاق الاستهلاكي إعادة ضخ الدولارات النقدية، وبالتالي عدم التسبب بفجوة طارئة بين حجمي العرض والطلب، كما تضمن تحصيلات الخزينة الدولارية، عبر البوابات الجوية والبحرية، سد جزء من المستحقات النقدية المستجدة.
وبذلك، تؤكد مصادر قريبة من الحاكم، أن البنك المركزي سيواظب على التحكم بالكتلة النقدية بالليرة ضمن سقوف تقل عن 60 تريليون ليرة، ويستمر بالتغذية المتواصلة لمخزون العملات الصعبة، وهو ما يفترض أن يلبي الإنفاق المستجد وزيادة الاحتياطات وكبح أي مضاربات نقدية محتملة في الوقت عينه.
بالإضافة إلى ذلك، فإن العمليات المنفذة من خلال تولي مصرف لبنان الدور الرئيسي في تلبية الطلب التجاري ومن قبل شركات الأموال على الليرة، حققت فوائض تراكمية ناهزت المليار دولار، كزيادات محققة في احتياط العملات الصعبة خلال الأشهر الستة الماضية. ولذا، فإنه من غير الوارد التخلي عن هذه الآلية التي ساهمت بفعالية مشهودة في كبح المضاربات واستدامة الاستقرار في أسواق القطع.
اعتراضات
بالتوازي، لم تسلم القرارات الحكومية الخاصة بالزيادات الملحوظة للعاملين في القطاع العام من اعتراضات يخشى تفاقمها، ما قد يبدّد سريعاً جزءاً من نتائجها المتوخاة، لا سيما استهداف إنهاء حال الشلل شبه التام الذي يسود أغلب المؤسسات العامة والإدارات الرسمية، فضلاً عن معالجة الفجوة المعيشية الوازنة التي يعانيها المتقاعدون في الأسلاك العسكرية والمدنية على السواء.
وقد بادر رئيس لجنة المال والموازنة النيابية، النائب إبراهيم كنعان، عبر حسابه على منصة «إكس» إلى التنويه بأن «ما تمّ إقراره أمس للقطاع العام حوافز وليس زيادة رواتب كما أوحى فلكلور حكومة اللامسؤولية، أي مساعدة لا تدخل في أساس الراتب. وكنا قد أبقينا في لجنة المال مبلغ 29 ألف مليار ليرة في احتياطي الموازنة لهذه الحوافز».
وقد رفض تجمع العسكريين المتقاعدين قرارات الحكومة، ودعا إلى إصلاح الخلل ضمن مدة الأشهر الثلاثة التي وعدت بها، «وإلاّ فسنكون أمام مرحلة جديدة من التصعيد تختلف كلياً عن سابقاتها، لا سيما أن الزيادة التي أعطيت للمتقاعدين، لجهة قيمتها الهزيلة ولجهة مقارنتها مع ما أعطي لموظفي الإدارات العامة تحت عناوين مخادعة، كبدل النقل والإنتاجية، بحيث تدنى معاش المتقاعد إلى نحو 60 في المائة من راتب مثيله في الخدمة الذي يوازيه في الفئة الوظيفية والدرجة».
أما على جبهة القطاع الخاص، فقد برزت إشارة وزير العمل مصطفى بيرم، إلى إقرار وشيك لزيادة وازنة للحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص، تدخل في صلب الراتب، وزيادة في المنح المدرسية، في حين تمّ إرجاء اجتماع لجنة المؤشر إلى موعد لاحق يعقب مشاورات نقابية مع الحكومة، حيث يؤكد الاتحاد العمالي العام ضرورة رفع الحد الأدنى للأجور إلى نحو 52 مليون ليرة (نحو 580 دولارا).