كم كانت كثيرة الأصوات التي نبّهت من وصول لبنان الى ما وصل اليه، الى حافة الهاوية. فكلا الحكومة والمواطنين لا يعرفون تماماً طريق الخلاص. فالحكومة خياراتها معدودة امام صرخات استباقية واجهها شعبها بها ما إن استشعر خطر قضم مداخيله، وسرقة حقوقه، في حين تطلب معركة الفساد ووقف الهدر جهوداً جبارة قد لا تبصر النور نظراً الواقع السياسي الموجود.
وزراء الحكومة حتى الان يؤكدون ان اجتماعاتهم لم تتطرق ولو لمرة واحدة للمس بلقمة عيش المواطن، وهذا امر جيد ويبعث الإطمئنان. لكن من حق المواطنين ان يسألوا: من اوصل وطنهم الى ما هو عليه اليوم؟ من وكيف يداوونه ويعيدوه “سويسرا الشرق” كما عهدوه؟
في الواقع، كانت السياسة المالية المتبعة من قبل الدولة اللبنانية ابرز الاسباب التي ادت الى هلاك الاقتصاد، اذ ان النهج المالي هذا لم يناسب لبنان كدولة تخرج من تداعيات حرب اهلية. وفقاً للخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة يعاني لبنان من عجز سنوي في موازنته بلغ على سبيل المثال بين 2005 – 2016، 43 مليار، وهذا رقم خيالي.
ورد عجاقة اسباب هذا العجز الى امرين اساسيين: ملف الكهرباء الذي كلف منذ التسعينات حتى اليوم 36 مليار، وكتلة الاجور التي شهدت على تدخلات جمة من الزعامات السياسية اوقعت لبنان في مازق بعد ان قاربت كلفة الاجور الـ8 مليار دولار.
واعتبر عجاقة ان “الدين العام الذي نتج عن هذا العجز التراكمي، اثقل ايضاً الموازنة وذلك بسبب خدمة الدين التي بدأت ترتفع رويداً رويداً، ووضعت اقتصاد لبنان على طريق لا رجوع عنها”.
الخروج من المأزق
وفي رد على حديث حول الإجراءات الواجب اتخاذها بغية خروج لبنان من مأزقه الاقتصادي، شدد عجاقة على ضرورة عدم الخلط بين الوضعين المالي والاقتصادي. وقال: “نحن في مرحلة مالية دقيقة ويجب على الدولة أن تؤمن اموال من اجل تامين القدرة على الاستمرار، ما يعني ان الاجراءات التقشفية هي اجراءات ضرورية وليست من باب التصحيح المالي. فعندما نتحدث عن التقشف نتحدث عن ضبط الانفاق، اما فيما يخص الوضع الاقتصادي فإن استثمارات مؤتمر سيدر ستكون ذات ايجابية كبيرة وستحسن الوضع الاقتصادي بشكل ملحوظ.”.
وفي حين اثنى عجاقة على الاجراءات التي تقوم بها الدولة، اذ انها ستكون كفيلة بلجم الإنفاق، اسف لعدم تمكن السياسيات الاقتصادية التي اتبعتها الحكومات من رفع مستوى جباية الضرائب وتخفيض مستوى الانفاق من اجل ازالة العجز.
معالجة العجز لا يتم عبر خفض الاجور
وفي اطار رد على ما يتم طرحه من تخفيض للأجور، اعتبر عجاقة انه “على الصعيد المالي، تخفيض الاجور ليس بالحل السليم ، فمن الضروري الالتفات الى الامور التي تساهم في انقاذ الوضع المالي بشكل فعال كالكهرباء والمرافىء ومعالجة مزاريب الهدر المفتوحة على صعيد الايجارات ودعم الجمعيات وغيرها”.
ولفت الى ان “الحكومة قد تضطر للجوء الى مواطنيها لرفع ايراداتها ولجم الانفاق لكن ضمن سياسات لا تقوم على خفض الاجور، فمن الممكن زيادة الضرائب على الفوائد والضرائب وعلى الاملاك البحرية، فمن شأن هذا الامر تأمين ما يقارب مليار ونصف المليار سنوياً، كما يمكن معالجة التهرب الضريبي لتوفير 4 مليار دولار اضافة الى مبالغ كبيرة يمكن ادخالها الى الخزينة قبل المس بجيوب المواطنين، علماً ان فرض الضرائب حق للدولة اذا ما كانت تعاني من عجز.