يرغب الفرنسيون في طرح مشروع جديد بهدف دعم لبنان لكنهم لم يحددوا وجهته بعد. يريدون توظيف استثمارات خارج نطاق الدولة ومؤسساتها وتخوض احدى الجهات الفرنسية المعنية النقاش بهذا الشأن مع رجال الاعمال. بالنسبة الى فرنسا فان زمن عهد «سيدر» انتهى. انقلبت صفحته وصارت المساعدات تأتي الى لبنان بالمفرق. مرة على شاكلة تعاون فرنسي سعودي وأخرى عن طريق مشاريع بالتعاون مع جهات اقتصادية. كله خارج اطار الدولة. خلال مؤتمر بروكسل للنازحين أُبلغ وزير الخارجية ان الدول المانحة تقدم لوزارة الشؤون الاجتماعية ما يزيد على 170 مليون دولار كمساعدة، ليتبين لاحقاً ان هذه المبالغ تصرف لحساب جمعيات NGOS وليس لحساب الدولة التي لم تعد مصدر ثقة خارجية.
المسؤولون تآمروا على دولتهم وهمّشوها، وهل يمكن فهم تفريغ الوزارات من العاملين الا محاولة تهميش القطاع العام بهدف إفلاسه وإفلاس مؤسسات الدولة مثل كهرباء لبنان ومصرف لبنان؟
الدولة او تلك الكائن الهجين تحولت الى مفهوم غامض لم يعد لوجوده أثر. الازمة الاقتصادية شاهد حي على تفريغ الدولة ورهن مقدراتها. هي لم تبدأ في أعقاب 17 تشرين. كانت عبارة عن تراكمات ديون وقروض لم تصرف حيث يجب. كل التقارير المالية تتحدث عن الخطأ الفادح في الهندسات المالية وتعتبرها عملية خارج الاصول، ناهيك عن تخلف لبنان عن سداد سندات اليوروبوندز. خطوتان قضتا على مالية الدولة.
يعتبر احد الخبراء الاقتصاديين ان «تسريب خبر عن عزم الدولة على إعادة هيكلة الدين العام أدى إلى تخفيض تصنيف دين لبنان من موسسة موديز وهنا بدأت البيعة الكبرى. لم تتردد البنوك في بيع سندات اليوروبوندز إلى الخارج وهي مدركة أن القيام بذلك من شأنه أن يضعف بشدة الموقف التفاوضي للحكومة ويعرقل احتمالية إعادة هيكلة الديون. باعت البنوك ما يصل إلى 1.2 مليار دولار من سندات اليوروبوندز للأجانب بين تشرين الثاني وكانون الاول من العام 2019. ولم تتوقف هنا. تم بيع سندات دولية أخرى بقيمة 3.5 مليارات دولار أميركي بين انتفاضة 17 تشرين و16 آذار 2020 – يوم التخلف عن السداد». متابعاً «في 16 آذار 2020، تخلف لبنان عن سداد سندات دولية في ذلك الحين، ولم تتوقف البنوك عن البيع بعد التخلف عن السداد، وأفرغت 1.4 مليار دولار أخرى من سندات اليوروبوندز قبل نهاية العام. إجمالاً، يُعتقد أن البنوك المحلية باعت أكثر من 6.1 مليارات دولار أميركي من سندات اليوروبوندز، وهو ما يعادل 40% تقريباً مما كان مستحقاً عليها».
السؤال: هل يمكن لحاملي سندات اليوروبوندز أن يجادلوا بأن بعض العمليات التي شارك فيها مصرف لبنان من هندسة مالية ولا سيما دعمه لبعض المؤسسات التجارية، ليست وظائف مصرفية مركزية تقليدية. كذلك أعمال صيرفة حيث يخسر الكثير من الدولارات، إذا نجحت هذه الحجج في محاكم نيويورك حيث يجب رفع مثل هذه الدعاوى، فإن أموال مصرف لبنان وممتلكاته، بما في ذلك ذهب لبنان، بقيمة تقديرية تزيد عن 17 مليار دولار أميركي، وهل هي بمحض الصدفة تعادل قيمة الدين للصناديق الأجنبية، ستتم مصادرتها.
علاوة على ذلك، يعتبر الخبير الاقتصادي ان»نجاح الصفقة مع صندوق النقد الدولي أصبح الآن عرضة للخطر بسبب شبح المفاوضات مع حاملي السندات الأجانب، بالنظر إلى أن حجر الزاوية في أي برنامج لصندوق النقد الدولي هو القدرة على تحمل الديون. مما يصعب على لبنان الاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي سيضع شروطاً تعجيزية وأكبر دليل رسالة إستقالة ديفد بدو من صندوق النقد وما تحدث عنه بما يعني ان القصة لم تعد قصة فساد وسرقة بل صار الهدف بيع اصول الدولة ورهنها للمجهول».
أخّرت الدولة قانون الكابيتال كونترول وأفرغته من مضمونه حتى لم يعد مجدياً إقراره ان حصل بعدما حولت المصارف الى الخارج بعد 17 تشرين ما يقارب 40 مليار دولار بحجة ان عليها التزامات بينما هذه الالتزامات لم تكن لتزيد في العام الذي سبقه عن 6 مليارات دولار فلماذا ارتفعت كل تلك النسبة ومن دقّق في الامر؟
يتحدث الخبير الاقتصادي المعني بمحادثات لبنان مع صندوق النقد عما ورد في تقرير مالي من أن الحسابات المصرفية فوق 100 مليون دولار كان عددها 36 حساباً تراجعت الى 23 في العام 2020 اي ان هذه الحسابات تحولت للخارج! متخوفاً من ان تأتي تلبية طلب صندوق النقد بشطب هذه الخسائر البالغة 60 مليار دولار على حساب اللبنانيين فمن سيتحمل هذه الخسارة؟ خلال مقابلته الاخيرة قال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ان الخسائر لن تقع على عاتق من كانت حساباته ما دون 100 الف دولار اي انها ستقع على عاتق من كانت حساباتهم تفوق هذا المبلغ وهؤلاء هم الشركات التي تشغل الناس فهل المطلوب كسرها؟».
رغم فداحة الارقام التي يعلم صندوق النقد حقيقتها كما يعلم تماماً مراوغة المسؤولين الا انه لا يبدي اهتماماً بالمعالجة الا بما يتناسب وحساباته بينما خطوات الدولة للمعالجة معدومة وكل ما تقوم به يقتصر على اشراك المواطن في تكبد الخسائر بدليل منصة صيرفة ووجود اكثر من سعر صرف للدولار الاميركي. التعميم الاخير للمصرف المركزي «هدفه الوحيد اشراك المواطن في اكبر عملية نصب بحيث يتحول المواطن الى صراف وتتحول المنصة الى باب استفادة لكن الى اي متى يمكن لمثل هذا الوضع ان يستمر؟ وكيف يمكن للمصرف المركزي ان يصمد في تعاميم إبرة البنج للمواطن التي يقدمها ومن يدفع ثمنها في نهاية المطاف؟