جرّدت الأزمة الإقتصادية التي اجتاحت لبنان منذ 4 سنوات المواطن اللبناني من الدواء والإستشفاء لدرجة أن تلقّي العلاج بات الهمّ والتحدّي الأكبر أمامه. فأضحى موظفو الدولة الذين كانوا يُحسدون على التقديمات المتوفّرة لهم والمضمونون من خلال الشركات الخاصة، بين ليلة وضحاها فقراء ومن دون تغطية صحيّة فيما أموالهم محجوزة في المصارف.
لكن مع الوقت وشيئاً فشيئاً، تمكّنت الجهات الضامنة بالتعاون مع المسؤولين من رفع نسبة التغطية الإستشفائية ولو حلّ ذلك في وقت متأخر. كيف تطوّرت تلك التغطية وماذا يفعل المواطن المكشوف الذي يحتاج الى علاج وغير القادر على تسديد الفاتورة الإستشفائية؟
نقابة المستشفيات
رئيس نقابة أصحاب المستشفيات سليمان هارون أجاب «نداء الوطن» عن هذا السؤال، فقال «المرضى الذين يدخلون الى المستشفيات في حالة طارئة ويواجهون خطر الموت لا تتأخّر المستشفيات في إنقاذهم وتقديم العلاج لهم حتى لو لم يستطيعوا تسديد الفواتير الإستشفائية، فهم يدفعون القيمة التي يمكنهم تسديدها. لا يوجد مستشفى يترك مريضاً يموت من دون أن ينقذ حياته، وإلا لكان مات عشرات المرضى يومياً. علماً أن غالبية المرضى الذين يدخلون المستشفيات يستعينون بأهلهم وأبنائهم المتواجدين في خارج البلاد لمدّهم بالمال».
وبالنسبة الى المرضى الذين يدخلون الى المستشفيات على حساب الجهات الضامنة، قال هارون «هؤلاء المرضى كانوا يواجهون مشاكل جمّة بسبب عدم قدرتهم المالية على تسديد الفروقات التي تترتّب عليهم. إلا أنه في العام الماضي تحسّنت الأوضاع تدريجياً بالنسبة الى الجهات الضامنة، فتعاونية الموظفين رفعت تعرفاتها 50 ضعفاً اي ضربتها بـ50 على أن تعطي سلفات على الحساب للمستشفيات. وبالتالي لم يعد هناك أية مشاكل اذ يدخل المرضى المنتسبون الى تعاونية الموظفين الى المستشفيات ويتلقون تغطية شبه كاملة من التعاونية ويسدّد المريض حداً أقصى نحو مليون ليرة او 10% كحد اقصى».
وفي ما يتعلق بوزارة الصحة «منذ بداية آذار ستضرب التعرفات بـ 50 ضعفاً . فيتحمّل المريض نسبة 35% من الفاتورة اذا كان يتلقى العلاج في مستشفى خاص، والـ65% المتبقية تقدمها المستشفيات لوزارة الصحة وخلال فترة قصيرة جداً تسدد الى المستشفى نسبة 60% منها والمتبقي يتمّ تسديده خلال فترة شهرين كحدّ أقصى.
إحتجاجات دافعي الرواتب بالدولار
ويضيف هارون، تبقى مشكلة الضمان الإجتماعي التي لا تزال تعرفاتها قديمة، فخلال الإجتماع الأخير الذي عقد في المجلس الإقتصادي الإجتماعي لإيجاد حلّ لمرضى الضمان الإجتماعي، تمحور البحث حول جباية الإشتراكات. وطرحت فكرة أن الشركات التي تسجّل رواتب موظفيها بقسم بالدولار يجب ان يتم احتساب المبلغ على اساس سعر صرف الدولار في السوق السوداء أي 89500 ليرة. لكن لقيت تلك الفكرة إحتجاجات من المؤسسات الخاصة بأكملها التي تسدّد رواتب لموظفيها بالدولار، لأن ذلك يعتبر عبئاً إضافياً عليها ولا يمكن أن تتحمّله، وبالتالي ستكون هناك متابعة لهذا الموضوع بين الهيئات الإقتصادية والإتحاد العمالي العام ووزير العمل والضمان الإجتماعي.
التغطيات ترتفع تدريجياً
في جولة سريعة على وضع المضمونين من الجهات الضامنة المتواجدة في لبنان مثل مضموني الضمان الإجتماعي وتعاونية الموظفين، والجيش وقوى الأمن الداخلي…، والمواطنين المجردين من أي تغطية إستشفائية وينشدون العلاج على حساب وزارة الصحة، وحتى المؤمنين لدى شركات التأمين الخاصة، فإن الآية كما بات معلوماً انقلبت رأساً على عقب. فمن كان مضموناً بالصندوق الوطني للضمان الإجتماعي أو في تعاونية الموظفين بنسبة 90% من فاتورته الإستشفائية، اضحى مكشوفاً بتلك النسبة، بعد انهيار سعر العملة الوطنية من 1500 ليرة وصولاً الى 89500 ألف ليرة وشحّ السيولة بالدولار النقدي. وينسحب الأمر نفسه على العسكر في الجيش وقوى الأمن الداخلي… أما من يُعالج إستشفائياً على حساب وزارة الصحة بنسبة 80%، فصار بدوره من دون تغطية بالنسبة نفسها.
وهكذا استمرّ الوضع عليه لفترة عامين قبل أن يتمّ تقويم هذا الإعوجاج شيئاً فشيئاً، تارةً من مساعدات خارجية من هنا للعسكر وطوراً من «سلفة» من هناك ومن ايرادات الدولة، خصوصاً بعد تحرير دولار رسم الـTVA و»الجمارك»… فتحسّنت التقديمات بطريقة تصاعدية منذ أكثر من عام وكان آخر الجهات الضامنة التي رفعت تقديماتها وتحديداً الإستشفائية الضمان الإجتماعي، الذي أقدم منذ أسبوع على رفع التصاريح على الحدّ الأدنى من رواتب موظفي القطاع الخاص الى 20 مليون ليرة من 9 ملايين رغم رفض لجنة المؤشّر رفع الحدّ الأدنى، فزاد من تقديماته ورفع التغطية الإستشفائية 10 أضعاف.
كم يبلغ دولار التغطية لدى وزارة الصحة؟
وعلى الدرب سائرة ايضاً وزارة الصحة التي تعتزم إطلاق رفع تغطيتها الإستشفائية في آذار المقبل. حول ذلك كشف وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض لـ»نداء الوطن» أن «زيادة تعرفة التغطية ستقرّ في مرسوم له علاقة بالمستشفيات في مجلس الوزراء، على أن يتمّ إطلاق تلك الزيادة في شهر آذار المقبل». لافتاً الى أن «نسبة زيادة تعرفة وزارة الصحة ستكون كتعرفة تعاونية الموظفين البالغة 50 ضعفاً وبذلك ستحتسب على دولار بقيمة 75 ألف ليرة وهي تعرفة جيدة نسبة الى التي هي عليه اليوم وفقاً لموازنة 2022 والبالغة نحو 11 ألف ليرة للدولار الواحد، وبذلك ستكون التعرفة الجديدة بدولار 75 ألف ليرة أقلّ بقليل من تعرفة ما قبل الأزمة المالية».
وأوضح الأبيض أن «خطوة زيادة التعرفة الجديدة تزامنت مع إقرار وصدور موازنة 2024 التي رفعت من حجم موازنة وزارة الصحّة الإستشفائية الى 22 ألف مليار ليرة، علماً أن موازنة وزارة الصحة سابقاً كانت 350 مليون دولار فانخفضت مع الأزمة المالية الى 20 مليون دولار». لافتاً الى ان «الوزارة عملت جاهدة للتمكن من زيادة موازنتها في قانون الموازنة العامة وذلك للتخفيف عن كاهل المواطنين الذي يعانون من الوصول الى الخدمات الصحيّة».
كلفة تغطية تعاونية الموظفين إلى سابق عهدها
بدورها لم تكن تقديمات تعاونية موظفي الدولة بوضع أفضل من سائر الجهات الضامنة، اذ وفقاً للموازنات العامة التي كان معمولاً بها قبل العام 2023، لم تكن تغطي التعاونية أكثر من نسبة 10% مع بداية الأزمة، أي عندما كان سعر الدولار 1500 ل ل. إلا أنها استطاعت كما أوضح مدير عام تعاونية موظفي الدولة يحيى خميس لـ»نداء الوطن «في منتصف العام 2022 زيادة أربعة أضعاف على التقديمات كافة من الوفر الذي حصل في التعاونية نتيجة تراجع نسبة الدخول الى المستشفيات وتقديم المساعدات المرضية، كما استطعنا في نهاية العام 2022، أي عندما أصبحت موازنة تلك السنة نافذة حكماً، زيادة هذه التعرفات 10 أضعاف الأمر الذي أدى الى تحسن ملحوظ ولكنه كان غير كاف».
ومع بداية 2023 ، أضاف «تمّ إعداد دراسة دقيقة عرضت على رئيس مجلس الوزراء ووافق على أحقية مطلبنا برفع التعرفات الى ما يقارب القيمة التي كانت عليها وهي 90% قبل الأزمة المالية. وفي نيسان 2023 تم إقرار سلفة مالية شهرية بقيمة 450 مليار ليرة لبنانية للتعاونية، بدءاً من شهر أيار لغاية نهاية العام 2023، وعلى هذا الأساس وبعد إعداد الدراسات الإكتوارية اللازمة تمّت زيادة التعرفات الاستشفائية والمرضية بما يعادل 50 ضعفاً وذلك اعتباراً من أول حزيران ۲۰۲۳. وأُلحقت تلك الخطوة بقرار إعطاء سلف مالية للمستشفيات اعتباراً من أول تموز 2023».
فبعد رفع التعرفات حاليا يمكن القول إن تغطية التعاونية الصحية عادت الى سابق عهدها في معظم مستشفيات لبنان «باستثناء بعض المستشفيات في نطاق بيروت والتي لم تلتزم بشكل كلّي وما زالت تتقاضى بعض الفروقات» استناداً الى يحيى. لافتاً الى أن «هذا الأمر يتابع بشكل يومي وصولاً الى حدّ توجيه إنذارات وفسخ العقود، وقمنا فعلاً بفسخ عقود عدة مستشفيات، فكانت النتيجة تراجع معظم المستشفيات عن تقاضيها فروقات.
مساهمة صندوق الضمان الإستشفائية تقترب من حدّها الأقصى
أما بالنسبة الى مضموني الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، فقد رفع الصندوق نسبة مساهمته في التقديمات الإستشفائية والتي تدنت الى نسبة 10% بعد الأزمة في نهاية العام 2019 مثله مثل سائر الجهات الضامنة.
واستناداً الى كركي حول رفع التقديمات الإجتماعية قال لـ»نداء الوطن» قام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي برفع تقديماته كما يلي:
– التعرفات الاستشفائية 10 أضعاف.
– تعرفات الأعمال المخبرية والشعاعية ( PET Scan- MRI- CT Scan ) 10أضعاف.
– معاينات الاطباء 20 ضعفاً.
– استمرار تغطية غسيل الكلى 100% (من 100 ألف ل.ل. الى نحو 6 ملايين ليرة للجلسة أي 60 ضعفاً).
– اسعار ادوية الامراض المزمنة 12 ضعفاً للـ Brand و 15 ضعفاً للـ Generic.
– تغطية نحو 630 دواء لعلاج الامراض التالية: داء السكّري- ضغط الدم- الكولسترول في الدم – تسييل الدم – تضخم البروستات – النقرس – خلل عمل الغدّة الدرقية.
وقريبا ستصدر مذكرة تتعلق بـ:
– زيادة مساهمة الصندوق في أدوية الامراض المزمنة لتصبح بمعدل 60 % لأدوية الـ GENERIC و 28 % لأدوية الـ BRAND من الأسعار المعتمدة من قبل وزارة الصحة
– اعتماد المبالغ المقطوعة للأعمال الجراحية (حوالى 3200 عمل طبي) وتغطيتها بنسبة 50% من القيمة الحقيقية للتعرفة الاستشفائية (بعد ضرب القيمة الأساسية التي كانت تعتمدها وزارة الصحة العامة لكل عمل مقطوع 20 ضعفاً).
وهل سيؤدي ذلك الى زيادة أعداد المضمونين بعد تراجعهم 22% من شباط 2019 الى اليوم؟
من المتوقع إستناداً الى د.كركي أن يزداد عدد المضمونين الذين يتقدمون للاستفادة من تقديمات الصندوق كما في السابق.أما بالنسبة الى الزيادة في عدد المضمونين الاختياريين فأوضح أنه «بالنسبة الى الضمان الاختياري، هناك ضوابط للانتساب اليه حالياً، وهو محصور بالاجراء المضمونين الذين يتركون العمل، خلال ثلاثة أشهر من تاريخ ترك العمل».
ما سبب تراجع أعداد المضمونين من الضمان وكم يبلغ عدد المستفيدين؟
يعتبر كركي أن «هناك تراجعاً كبيراً في عدد المضمونين والتفسير المنطقي لذلك هو الصرف من العمل، فهنالك العديد من القطاعات التي صرفت ثلث أجرائها أو حتى النصف، كذلك هناك من أقفل نهائياً، بالاضافة الى ذلك، لا يجب أن ننسى هجرة اليد العاملة التي تسببت بها الازمة الاقتصادية .
أما أعداد المضمونين فسجّلت تراجعاً من 1,546 مليون مستفيد في 8/2/2019 الى 1,200 مليون مستفيد في 8/2/2024. وبالنسبة الى الموافقات الإسشتفائية فقد تراجع عددها من 352771 في العام 2019 الى 114085 في 2022».
وحول نسب تغطية قوى الأمن الداخلي فإن التغطية هي شبه كاملة ويتمّ توفير الأموال من الموازنة والمساعدات التي يتمّ تلقيها. بالنسبة الى الطبابة العسكرية فهي تتمّ في المستشفى العسكري.