ثمة «هجمة دولية» استثنائية على منطقة الخليج العربي التي عادت تفرض نفسها لاعباً رئيسياً على الساحتين الاقتصادية والمالية، فضلاً عن الساحة السياسية، وليس أدل على ذلك من سعي الصين للتموضع وطرح نفسها الشريك الأول للمنطقة. ومؤتمر رجال الأعمال العرب والصينيين في نسخته العاشرة الذي استضافته الرياض أبلغ دليل على ذلك، إذ يعكس الطموحات الصينية في المنطقة، ولكن أيضاً وخصوصاً التحولات الاقتصادية والتجارية الجارية في العالم.
بيد أن القوى الأخرى «التقليدية» التي ترى في الصين المنافس الأول لا تقف مكتوفة الأيدي. من هنا، أهمية المنتدى الذي تستضيفه باريس يومي الثلاثاء والأربعاء تحت عنوان «رؤية الخليج»، برعاية الرئيس إيمانويل ماكرون وحضور مجموعة من الوزراء من الجانبين الفرنسي والخليجي، والذي سيفتتحه صباحاً وزير الاقتصاد والمال برونو لومير في مقر وزارة الاقتصاد.
أما تنظيم المنتدى فقد تولته هيئة «بيزنس فرانس» (الاستثمار الفرنسي) المولجة بها مهمة الترويج للحضور الفرنسي الاقتصادي والتجاري عبر العالم. وفي هذا السياق، فإن مديرها العام لوران سان مارتين سيلقي كلمة الهيئة التي يديرها مباشرة بعد كلمة وزير الاقتصاد.
ليس سراً أن الرئيس ماكرون، منذ وصوله إلى قصر الإليزيه في عام 2017، وبعد إعادة انتخابه لولاية ثانية ربيع العام الحالي، يكرس الكثير من الجهد لإعادة تموضع فرنسا على لائحة الدول الأكثر اجتذاباً للاستثمارات الأجنبية. ولهذا الغرض وإضافة إلى المنتدى المرتقب الخليجي – الفرنسي، فإن منتدى آخر لا يقل أهمية، يقيمه مجلس رجال الأعمال السعوديين والفرنسيين في باريس يوم 19 يونيو (حزيران) تحت عنوان «منتدى الاستثمار السعودي – الفرنسي».
وفي الحالتين، فإن الطرفين يبحثان عن استثمارات متبادلة ما يدل على أهمية الشراكات المرتقبة التي يتمناها ويسعى إليها الجانبان.
الملاحظ اليوم أن المنتديات واللقاءات لم تعد متفردة، بمعنى منعزلة عن بعضها البعض، ودليل على ذلك أن منتدى الثلاثاء والأربعاء يندرج في إطار «رؤية الخليج»، التي أبرزها «الرؤية السعودية 2030»، التي تواجهها «الرؤية الفرنسية 2030». وفي تقديمه للمنتدى، تؤكد هيئة «بيزنس فرانس» على أهمية إطلاق «دينامية متجددة» بين الطرفين الخليجي والفرنسي، التي يراد لها أن تشمل قطاعات واسعة استثمارية واقتصادية وتجارية وسيبرانية، فضلاً عن الذكاء الاصطناعي… ويوفر الحضور الواسع لرجال وسيدات الأعمال من الجانبين فرصاً للتلاقي وتبادل الرأي وتعزيز الشراكات المتنوعة. وحسب الأرقام التي وفرتها الهيئة، فإن 400 مسؤول ومسؤولة سوف يشاركون في المنتدى، حيث سيتحدث 65 مسؤولاً. وبعدها سوف تتفرع المناقشات، بعد الجلسة الافتتاحية، على 13 جلسة. وتوفر المناسبة الفرصة للقاء المسؤولين الحكوميين من الجانبين، إضافة إلى القطاع الخاص الممثل برؤساء الشركات التنفيذيين وكبار الكادرات والشركات الناشئة (ستارت آب) ومتوسطة الحجم، وذلك وسط حضور إعلامي واسع. تجدر الإشارة إلى حضور وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر الخريف، وأمين عام مجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي، ومسؤولين كبار آخرين.
وتعول باريس على هذا المنتدى لتعزيز حضورها متنوع الأشكال في منطقة الخليج. ووفق أرقام الهيئة المعنية، فإن المبادلات التجارية بين الطرفين وصلت العام الماضي إلى 13 مليار يورو. ووفق أكثر من مسؤول فرنسي، فإن باريس تريد أن تكون شريكاً للدول الخارجية في برامجها الاقتصادية الواسعة في تطوير بناها التحتية وقطاعات التعليم والصحة والطاقة النظيفة، وكلها قطاعات واعدة.
وقال أكسيل بارو، مسؤول «بيزنس فرانس» للتجارة والاستثمار في المنطقة الخليجية، إن بلاده راغبة في المساهمة في «تحقق رؤى البلدان الخليجية، خصوصاً المشاريع الكبرى في المملكة السعودية، وهي مستعدة لوضع إمكاناتها وخبراتها في خدمة هذه الرؤى، وفي القطاعات التي تتمتع فيها بخبرات كبرى», منوهاً بخطط فرنسا للتوصل إلى اقتصاد عديم الكربون.