يقوم حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، بمحاولة أخيرة لإنقاذ لبنان من تصنيفه المرتقب على اللائحة الرمادية لمنظمة «فاتف» في أيلول المقبل، بعدما وجّه طلبات مساعدة عبر رئاسة الحكومة إلى مجموعة واسعة من الدول للحصول على مساعدة تقنية في ثلاث مسائل اعتبرت «فاتف» أن لبنان يسجّل قصوراً فيها. ولا ترى المصادر أن هناك حسماً مفترضاً، ولا سيما أن المسائل الثلاث مختلفة تماماً عن المسألة الأساسية التي تحتمل خلفيات سياسية. فلو اقتصر الأمر على الشق التقني، لكان لبنان قد حصل على غضّ نظر في أيار 2023 عندما درست منظمة «مينا فاتف» أوضاعه، إلا أنه في وقت لاحق تدخّل مندوبو أميركا وصندوق النقد الدولي لمنع تأجيل التقييم وطلبوا تحويل ملف لبنان إلى المنظمة الأم «فاتف» للدراسة والتقييم. ومذاك باشرت مرحلة العدّ العكسي للتقييم المتوقع صدوره في أيلول المقبل.ما يقوم به منصوري، يفترض أن يمنح لبنان بعضاً من الوقت عبر الاستفادة مما ورد في التقرير الأخير لمنظمة «فاتف» والذي تضمّن ثلاث نقاط أساسية:
– الملاحقات القضائية لا تتماشى بشكل وثيق مع التهديدات والمخاطر، ولا سيما في ما يتعلق بالجمارك، جرائم التهريب والتهرب الضريبي والاتجار غير المشروع بالمخدرات وجرائم الاتجار بالبشر. وليس لدى لبنان سياسة واضحة لتحديد عائدات الجريمة وتجميدها ومصادرتها وفقاً لقاعدة منتظمة. ولم تثبت الجهات المختصة (القضاء) سعيها إلى مصادرة العائدات الإجرامية كهدف سياسي أو كجزء من نظام العدالة الجنائية.
– الفساد في الإدارة العليا، إذ لا توجد سياسة أو تدابير واضحة تحدّد أولويات استرداد الأصول التي تم الاحتفاظ بها أو نقلها إلى ولايات قضائية أخرى.
– الجهود في لبنان لم تشمل إجراء تحقيقات بشأن التهديدات المحتملة التي تشكلها أنشطة إحدى الجماعات الشبه عسكرية المحلية الكبرى المنظمة.
تدور هذه المسائل الثلاث حول إجراءات متصلة بإجراءات مكافحة تبييض الأموال لدى القضاء وبالفساد في الإدارة العليا وبحزب الله. ورغم أن التقرير لا يتحدّث بشكل واضح عن اقتصاد الكاش، إلا أن المصادر تقول إن لبنان ليس موضع شبهة بسبب اقتصاد الكاش، إذ إن الجميع مطلع على انهيار القطاع المصرفي، وبالتالي يدركون صعوبة منع التداول بالكاش وإعادة مسالك العمل المالي إلى المصارف لأن هذا الأمر يتطلب معالجة الجزء الأهم من الخسائر في أموال المودعين، بالإضافة إلى إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وإعادة الدين العام إلى مسار الاستدامة… وفي النقاشات التي أجريت بين المسؤولين اللبنانيين ومسؤولين أميركيين قبل بضعة أسابيع، قدّم الحاكم بالإنابة وسيم منصوري، ورئيس لجنة المال النائب إبراهيم كنعان، مقاربة قائمة على أنه لا يمكن تحفيز الدولة على القيام بأمر يستحيل القيام به آنياً، وبالتالي إن تصنيف لبنان على اللائحة الرمادية لن يدفع الدولة في اتجاه إنهاء اقتصاد الكاش أو ترتيبه كأولوية للمعالجة ما دام أنها ليست قادرة على التعامل مع أصل الأزمة المتصل بتوزيع الخسائر وإعادة هيكلة القطاع المالي والدين. لذا، لا يظهر اقتصاد الكاش بوصفه أولوية في التقرير الأخير لـ«فاتف». وفقاً للمصادر، إن مساعد نائب وزير الخزانة لشؤون الإرهاب والجرائم المالية جيسي بيكر، لم يعر مسألة اقتصاد الكاش أهمية، بل حتى أنه لم يجزم بأن عملية التقييم والتصنيف ستنتهي في أيلول وأنها قد تتجاوز هذا الموعد باعتبار أن تصنيف لبنان على اللائحة الرمادية مفيد أكثر لاقتصاد الكاش ويعزّزه أكثر مما يساعد على مكافحته.
لذا، تبقى المسألة الأساسية مرتبطة بالمسائل الأساسية الثلاث التي يعمل الحاكم على التعامل معها. إذ إن ما هو مطلوب في لبنان على المستوى القضائي يتطلب «حوكمة» أكثر، وبعض الإجراءات والتعديلات القانونية، أما مسألة مكافحة الفساد في الإدارة العليا، فهي تتطلب مساعدة تقنية في إعداد الموازنة وبعض التعديلات القانونية أيضاً. لكن ما تصعب معالجته هو ما يتعلق بـ«الميليشيات المسلّحة»، أي حزب الله بحسب مقصد التقرير. فهذا الأمر محور خلاف لأن موقف لبنان يقوم على أن الحزب ليس لديه صلات بالعمل المصرفي، فيما الموقف الغربي الذي تتبنّاه منظمة «فاتف» ليس لديه إثبات أو دليل على الشبهات التي تُثار في التقرير. كما أن منظمة «فاتف» تتبع لوائح الأمم المتحدة التي لا تصنّف حزب الله جهة إرهابية، وبالتالي هناك فرصة للتعامل مع هذه المسألة بشكل أقلّ تعقيداً إذا توافرت الظروف السياسية الدولية لذلك.
ما الفرق بين «فاتف» و «مينافاتف»؟
«فاتف» هي منظمة دولية يُطلق عليها اسم «مجموعة العمل المالي»، مقرّها باريس وتأسّست في عام 1989، وتعمل على سنّ المعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح، وفي سبيل ذلك تجري تقييماً لالتزام الدول بمعاييرها. ووفق معاييرها، فإن لبنان لا يلتزم بمكافحة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال.
ابتداءً من عام 2021، كان هناك 39 عضواً في فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية، بما في ذلك الأمم المتحدة والبنك الدولي، ودول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا والصين وغيرها. لكي تصبح عضواً، يجب أن تُعتبر الدولة ذات أهمية استراتيجية (عدد سكان كبير، ناتج محلي إجمالي كبير، قطاع مصرفي وتأمين متطور، وما إلى ذلك)، ويجب أن تلتزم بالمعايير المالية المقبولة عالمياً، وأن تكون مشاركة في منظمات دولية مهمة أخرى.
تنشر مجموعة العمل المالي المعايير – أو توصيات مجموعة العمل المالي – التي تضمن استجابة عالمية منسّقة لمنع «الجريمة المنظّمة والفساد والإرهاب». منذ عام 1990، نشرت مجموعة العمل المالي 40 توصية عامة بشأن غسل الأموال (صدرت جميعها في البداية في عام 1990)، وتسع توصيات خاصة بشأن تمويل الإرهاب (صدرت في عام 2001). في عام 2005، اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار الرقم 1617 الذي حثّ جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على تنفيذ توصيات مجموعة العمل المالي الأربعين بشأن غسل الأموال والتوصيات التسع الخاصة بشأن تمويل الإرهاب.
ولدى مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENAFATF) علاقات قوية مع المنظمات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومجموعة العمل المالي ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدّرات والجريمة ودول مجلس التعاون الخليجي ومجموعة إيغمونت ومجموعة آسيا والمحيط الهادئ. وتتمتع جميع هذه المنظمات الدولية بوضعية «مراقب» في مجموعة MENAFATF. وبعضها يقدم المساعدة الفنية للدول الأعضاء وتستفيد منها بخبراتها في مجالات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وفي ما يتعلق بالعلاقة مع مجموعة العمل المالي (FATF)، فقد كانت مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتمتع بوضعية «مراقب» في مجموعة العمل المالي. وشاركت بهذه الصفة في اجتماعاتها العامة وفي اجتماعات مجموعات العمل التابعة لها بالإضافة إلى الفعاليات والأنشطة الأخرى التي نظّمتها مجموعة العمل المالي حتى حزيران 2007. بعد حزيران 2007 تمّ منح مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا صفة «عضو منتسب» في مجموعة العمل المالي.