لم يقارب مشروع موازنة 2025 المفهوم الحقيقي للموازنة لا بالشكل ولا المضمون. فالمشروع الذي رفعته وزارة المال إلى مجلس الوزراء، لا يتجاوز كونه جردة محاسبية لنفقات وإيرادات غير مضمونة، خالية من أي خطط تنموية أو اقتصادية. كما لا تعكس توجّه الحكومة الاقتصادي والاجتماعي، ولا استراتيجيتها للحماية الاجتماعية، في بلد ترزح الشريحة الأكبر من مواطنيه تحت خط الفقر.
قد يكون المؤشر الإيجابي الوحيد الذي حمله مشروع موازنة 2025 هو الإلتزام بالمهل الدستورية لمسار الموازنة. فقد تمت إحالة مشروع الموازنة من قبل وزارة المالية إلى مجلس الوزراء في 30 آب، أي قبل انتهاء المهلة الدستورية بيوم واحد. على أن يتم درس مشروع الموازنة وتعديله في مجلس الوزراء قبل نهاية شهر أيلول الحالي.
لا قطع حساب.. لا شفافية
وبمعزل عن أهمية الالتزام بالمهل الدستورية، ثمة خلل أساسي يرافق الموازنات العامة منذ أكثر من 17 عاماً، ومن شأنه أن يطيح بدستورية الموازنة الحالية، وهو غياب قطع الحساب عن العام المالي الفائت. وليس قطع الحساب تفصيلاً، فإنه الحساب الفعلي الذي تظهر فيه النفقات التي تكبدتها الدولة، والواردات التي حقّقتها فعلياً خلال السنة المالية السابقة. كما يتيح قطع الحساب الفرصة لمجلس النواب لإجراء رقابة مؤخرة على عمل الحكومة. ومن دون إقرار قطع الحساب للعام الفائت يبقى ما نُفذ فعلياً من موازنة العام 2024 مجهولاً، لجهة الجباية والإنفاق. وهو ما يفتح الباب على مصراعيه على شتى أنواع الفساد المالي.
أضف إلى العلاقة الدستورية التي تربط بين قطع الحساب وإقرار الموازنة العامة، ذلك أن غياب قطع الحساب أو عدم الموافقة عليه، يحول حكماً دون نشر الموازنة العامة، استناداً إلى المادة 87 من قانون المحاسبة العمومية. وعلى الرغم من أن عدم إقرار قطع الحساب يعد مخالفة دستورية، غير أن الاستثناء بعدم إقرار قطع الحساب أصبح في لبنان “قاعدة”.
اقتراض وتسديد فوائد ديون
في مشروع موازنة 2025 الذي يتضمن 50 مادة، تستأنف وزارة المالية تسديد فوائد الديون التي سبق أن توقفت عن سدادها بالعملات الاجنبية، وترصد موازنة 2025 أكثر من 24 ألف مليار ليرة لسداد “فوائد على سندات خزينة خارجية”. كما تورد موازنة 2025 بنداً لسداد فوائد ديون على سندات خزينة داخلية. وتكمن الخطورة هنا باستئناف السداد من دون تنفيذ إعادة هيكلة للدين ووضع استراتيجية واضحة لمعالجة أزمة الدين المتفاقمة منذ عام 2020 من دون أفق.
في المقابل، تتضمن إيرادات موازنة 2025 قروضاً داخلية بقيمة 17 ألفاً و566 مليار ليرة، ما يعكس توجهاً لدى الإدارة المالية بتمويل العجز من خلال الاقتراض.
أما لجهة العجز فإنه يقارب 200 مليون دولار (196 مليون دولار) أو ما يوازي نسبة 4.1 في المئة من مجمل الموازنة. وقد بلغت مجمل الإيرادات في موازنة 2025 نحو 427 ألفاً و695 مليار ليرة، أي ما يقارب 4.7 مليار دولار (منها أكثر من 326 ألف مليار ليرة إيرادات ضريبية، و83 ألف مليار ليرة إيرادات غير ضريبية)، في مقابل تقدير النفقات بنحو 412 ألف مليار ليرة، أي ما يقارب 4.5 مليار دولار.
ارتفاع النفقات وغياب الخطط
تفتقد موازنة 2025 كسابقاتها لأي رؤية اقتصادية أو استراتيجية اقتصادية اجتماعية، وقد اقتصرت على إدخال تعديلات كثيرة على سلة الضرائب غير المباشرة، فرفعت من خلالها النفقات بقيمة تفوق 119 ألف مليار ليرة (أي ما يقارب 1.3 مليار دولار) عما كانت عليه موازنة 2024. غير أن تلك الإيرادات الإضافية لم يتم توجيهها إلى تغطية نفقات مخصصة لمنافع اجتماعية أو حتى استثمارية. بل اتجهت بمجملها إلى تغطية نفقات جارية، كصيانة الطرق وشراء المستلزمات ونفقات أخرى.
وكما الموازنة السابقة، فالإيرادات غير مضمونة، والنفقات غير دقيقة، لاسيما أن بنوداً كاملة تغيب عن النفقات، منها متأخرات مستحقة على الدولة اللبنانية لصالح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وفواتير الفيول المخصص للكهرباء، وغيرها من النفقات.
كما تغيب الأهداف الاستثمارية عن موازنة 2025. ويشكّل بند النفقات على الرواتب والأجور وملحقاتها نحو 53 في المئة من الإنفاق، و19 في المئة نفقات تشغيلية، وأكثر من 7 في المئة لتغطية فوائد الدين.
من هنا، لا يرى العديد من الخبراء أي تقدّم في موازنة 2025، لا بل انها أشبه بعملية محاسبية لا قيمة لها ولا هدف.