تغرق بلديّة بيروت في عجزٍ مالي دفعها إلى التخلف عن دفع كلفة التغطية الاستشفائيّة وعن الالتزام بعقود مع شركات كنس النفايات وجمعها ومعالجتها، فيما تتجاهل مزاريب هدر مفتوحة كما في عشرات المواقف المؤجرة لمشغلين مقابل فتات
فتح ملف الأملاك العامّة العائدة لبلديّة بيروت وكيفيّة استئجارها وإشغالها يشرّع أبواب «مغارة علي بابا». ملفات «على مدّ عينك والنظر» تشي باستشراء الفساد الذي ينخر بلديّة العاصمة. ورغم أن القانون وضع إدارة هذه الأملاك بيد السلطة التنفيذيّة (المحافظ)، فإنّ المُستغرب هو عدم وجود إحصاء حقيقي لدى البلدية حول مساحة الأملاك العامّة المُحتلّة داخل العاصمة، إذ إن آخر إحصاء يعود إلى ثمانينيات القرن الماضي!
هكذا تُسيّر البلديّة أعمالها على «الهوّارة»، «مُستغنية» عن عائدات هي في أمسّ الحاجة إليها، كما هي الحال مع مواقف السيارات التي تملكها البلدية، والتي أجّرت لمشغّلين من دون إجراء مزايدة، بعقود تُجدّد سنوياً مقابل مبالغ مالية تعود إلى أيام دولار الـ 1500 ليرة، رغم رفع المشغّلين تعرفاتهم عشرات الأضعاف.
معظم هذه العقود يعود إلى فترة تولي القاضي زياد شبيب منصب محافظ بيروت. إذ منح المواقف إلى «محظيين» من دون مزايدة، رغم أنّ القانون يفرض عند تأجير أي عقار إعداد دفتر شروط وتقدير أرباحه لفتح باب المزايدة بالسعر الأدنى. وفي ما يتعلق بالمواقف تحديداً، يفرض إعداد تخمين لسعة الموقف من السيارات. لذلك، التفّ شبيب على القانون، فلم يؤجّر المواقف بل أصدر قراراتٍ بتشغيلها مقابل مبالغ ماليّة متحركة، من دون تحديد معايير لاختيار هذا المُشغّل أو ذاك دون غيره، علماً أنّ معظم المُشغّلين يتمتّعون بـ«ظهرٍ سياسي»، كلّ بحسب منطقته: محسوبون على تيار المستقبل في الطريق الجديدة، وعلى القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر والكتائب في الأشرفيّة، وعلى حركة أمل وحزب الله في المصيطبة… وهكذا.
الأنكى من ذلك، أن بعض المُشغّلين تخلّفوا عن تسديد المبالغ المتفق عليها. إلا أنّ المُحافظ بقي يغضّ النظر عن ذلك، وتجاهل كتباً أرسلها مسؤولون عن الملفات المالية والعقاريّة في البلدية، ترفض عقود الإشغال للعقارات العامّة، مستندةً إلى المادة 60 من القرار 26/275 التي تنص على أنّ «العقارات الدّاخلة في أملاك الدّولة في المدن تؤجَّر بعد الإعلان عنها لمدّة أربع سنوات على الأكثر، وبناءً على تعيين سعر افتتاح المزايدة على أثر كشفٍ إداري»، موصيةً بـ«إعداد دفاتر شروط لتلزيم كلّ موقف والإسراع في تلزيم جميع المواقف لتتمكّن إدارة البلديّة من الاستفادة منها».
مشغّلو المواقف
أدار شبيب الأذن الطرشاء لهذه الاقتراحات، ومثله يفعل المحافظ الحالي القاضي مروان عبود الذي تلقّى الاقتراحات نفسها، رداً على كتابٍ أرسله إلى المصلحة المالية نهاية عام 2020، يطلب فيه تقريراً مفصّلاً عن العقارات التابعة لبلدية بيروت والمُخصّصة لاستعمالها مواقف للسيارات، ووضع خطّة شاملة لطريقة إدارتها وتشغيلها تضمن أكبر استفادة ممكنة منها.
وبعد إعداد تقرير مفصّل بهذه المواقف، أوصت دائرة الأملاك في البلدية بالموافقة على مشاريع إنذارات إخلاء للمشغّلين، وتجهيز المواقف بماكينات مخصصة لدخول السيارات وإدارتها من قبل البلديّة لحين إتمام عمليات التلزيم». ورغم أنّ مصلحة العقارات أعدّت إنذارات بالإخلاء مع أوامر تحصيل المبالغ الماليّة ورفعتها إلى المحافظ، إلا أنها بقيت أسيرة الأدراج. وأعاد رئيس المصلحة، الذين عيُن منذ نحو سنة، حسن العجوز طرح المقترحات نفسها، إلا أنه لم يلق آذاناً صاغية، وبقيت العقود مع الشركات المُشغّلة نفسها تتجدّد سنوياً، إلى أن قرر المحافظ عبود، قبل شهرين فقط، تعديل عقود الإشغال لتُصبح 10 أضعاف ما كانت عليه، علماً أنّ مشغلي المواقف البلدية بقوا يسددون على مدى 4 سنوات هذه المبالغ بدولار الـ 1500 ليرة، ما ضيّع على صندوق البلدية أموالاً طائلة.
أملاك محتلّة
وبحسب معلومات «الأخبار»، تعدّ دائرة الأملاك التابعة لبلديّة بيروت مسحاً لم ينته بعد للعقارات التي تملكها في العاصمة، وقد تبيّن وجود 170 عقاراً أو جزءاً من عقار أو فضلات لم تكن البلديّة على علمٍ بملكيّتها أو تركت لـ«قوى الأمر الواقع» احتلالها من دون مقابل. ومن بينها العقار الرقم 910 – المزرعة (تشغّله شركة «Pop») الذي تحوّل بـ«قدرة قادر» من موقفٍ للسيارات إلى معرضٍ لشركة «ريو» لبيع السيارات وتأجيرها، وقد وجّه لها عبّود إنذاراً.
وفي عين المريْسة، تجري التدقيقات في قيام أحد المشغّلين بتأجير عقار مستأجر من البلديّة، علماً أنّ القانون يمنع تأجير الأملاك المستأجرة. ويشغّل أحد المحسوبين على حركة أمل عقاراً في منطقة المصيطبة بوضع اليد ويستخدمه موقفاً للسيارات، فيما وضع أحد المقربين من النائب نديم الجميل يده على موقف تابع للبلدية في شارع بيضون في الأشرفية، فضلاً عن لائحة طويلة من المعتدين على الأملاك العامة، تبدأ من زرع أكشاك على الأرصفة، وصولاً إلى الاستئثار بعقارات كاملة، تُضاف إليها عقارات شاغرة لا تستفيد منها البلدية لسد جزء من احتياجاتها الماليّة في ظل الأزمة.