ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها المودعون إلى الشارع، للوقوف في وجه المصارف والتصدّي لممارساتها. فقد سبق لجمعية صرخة المودعين أن نفذت العديد من التحركات المطلبية في الشارع، رفضاً لاحتجاز الودائع منذ أكثر من 3 أعوام و6 أشهر. وعليه، أعلنت جمعية صرخة المودعين أمس، الثلاثاء 9 أيار، يوم غضب للمودعين بوجه المصارف. تجمّع العشرات في يوم الغضب تحت شعار “كفى قهراً لمودعي لبنان”، واتجهوا من أمام بلدية بيروت في مقابل مدخل مجلس النواب باتجاه بنك عودة، حيث حاول البعض منهم دخول الفرع في وسط البلد، وسط تجمهر أمني يكاد يفوق تعداد عناصره عدد المودعين المتظاهرين.
مشهد المودعين في مواجهة القوى الأمنية بعيداً عن أعين السياسيين والمصرفيين، يدفع إلى طرح سؤال عن جدوى هذه التحرّكات وتأثيرها في قضية استعادة الودائع. وهل من خيارات أخرى أكثر إيلاماً للمصارف من التحرّك الاعتراضي على أبواب فورعها؟ وما مدى تأثير التحركات على الأرض بحجمها الخجول على قضية المودعين؟
التصعيد لرفع المطالب
كُثر من المودعين، ومنهم من شارك في “يوم الغضب”، يحملون مطالبهم باسترداد ودائعهم وحقوقهم أينما حلّوا، لكنهم يعترضون اليوم على تحركات لم تحقق أي جدوى، لا بل شكّلت شمّاعة للمصارف تعلّق عليها تعاطيها الوقح مع المودعين، وتتذرّع بها عند الحاجة، لتشكّل غطاء لقراراتها بإغلاق أبواب فروعها بوجه عموم المودعين وقت الحاجة.
وإذ تضع جمعية صرخة المودعين خريطة طريق لأهدافها تبدأ بالسعي لرد المليارات المهربة والمنهوبة، وتحقيق تدقيق ومحاسبة، وتصل لتوزيع فجوة السرقة والفساد على ثلاثي الدولة والمصارف والمصرف المركزي، وتعتزم الاستمرار بالتحركات على الأرض للضغط على المصارف.. ترى تجمعات أخرى للمودعين أن خريطة الطريق مسلّم بها وهي حق كل مودع. أما التحرّك بوجه المصارف في المحاكم خارج لبنان، فيبقى أكثر جدوى وأشد إيلاماً للمصارف وأصحابها.
ويدفع هؤلاء إلى توجه المودعين باتجاه أصحاب المصارف وأعضاء مجلس إدارتها. ويدعو القيّمون منهم على تحرّكات المودعين إلى محاصرة منازل المصرفيين ومقر جمعية المصارف. والأهم من كل ذلك، إلى التقصّي عن المصرفيين ورصد مخالفاتهم وتجاوزاتهم وجرائمهم المالية في الداخل والخارج، لأنهم بذلك سيسقطون بالتوالي أمام المحاكم وفي نظر المجتمع الدولي.
وكان قد شهد المودعون في وقت سابق توجيه اتهامات لرئيس مجلس إدارة بنك الموارد، مروان خير الدين، ومثوله أمام القضاء الفرنسي قبل تركه بكفالة وسند إقامة، وتردّد عن تهرّب رئيس مجلس إدارة بنك عودة سمير حنا، وتركيز إقامته في تركيا بدلاً من فرنسا، بعد تقدّم الحديث عن ادعاء القضاء الفرنسي على حنا ورئيس مجلس إدارة بنك بيروت سليم صفير. ولا ننسى موعد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مع القضاء الفرنسي في 16 أيار الحالي وترجّح توجيه اتهامات مباشرة له بجرائم مالية عديدة.
انطلاقاً من الاستدعاءات والتحقيقات مع مصرفيين لبنانيين في فرنسا، يدعو متحدثون باسم المودعين إلى تركيز العمل على مواجهة أصحاب المصارف عبر مسارين. الأول، يتمثل بالقضاء الأجنبي ومواكبته بفضح مخالفات وجرائم المصرفيين. والثاني، بمحاصرتهم في منازلهم ومواجهتهم، حتى وإن وصل الأمر إلى الدعوة للعنف.
مخاوف من استغلال المصارف
ولأن تحرّك المودعين اليوم جاء استكمالاً لتحركات عديدة آخرها في بدارو شهر شباط الفائت، يتخوّف مودعون من أن تشكّل تلك التحرّكات ذريعة للمصارف لإقفال فروع لها، لاسيما بعد إقدام المتظاهرين اليوم على تحطيم أحد الصرافات الآلية ATM التابعة لبنك عودة. وتعود مخاوف المودعين إلى ما تم تسريبه يوم أمس من قبل المصارف، عبر وسائل إعلام اعتادت تسريب مواقفها عبرها، وترتبط بتحذيرها من الإقفال، فيما لو تم تحطيم صرافات آلية.
تسريب المصارف أمس جاء كاعتراف بنيّتها إغلاق فروع لها إن لم نقل إغلاقاً تاماً، ومحاولتها الإصطياد في مياه عكرة، متسلّحة بتعرّض المودعين لفروعها وصرافاتها الآلية، ومتجاهلة تعرضها على مدار سنوات لأموال المودعين ومدخراتهم.
جمعية صرخة المودعين نفذت تحرّكها اليوم، بمشاركة محامين وعسكريين متقاعدين ونقابيين وأساتذة تعليم، انطلقوا من أمام مجلس النواب إلى عدة أهداف، بينها مقر إقامة رئيس الحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ثم إلى فرعي بنك بيروت وبنك عودة، وصولاً إلى مقر جمعية المصارف في الصيفي.
وقد أدى الاحتكاك بين المودعين وحرس المصارف إلى وقوع إصابات طفيفة بين المودعين. وأكد متحدثون باسم جمعية صرخة المودعين خلال التحرّك استمرارهم بتنفيذ التحركات في الشارع، والمطالبة باسترداد الودائع، وإن تحوّلت القضية إلى “قضية انتقام” من أصحاب المصارف.