تعيد مؤسسة كهرباء لبنان ترتيب أوضاعها المالية في إطار خطة الطوارىء التي وضعتها وزارة الطاقة، والتي كان عمادها الأساسي رفع تعرفة الكهرباء لتأمين مصادر مالية تغطّي النفقات المدولرة. وفي غمرة الخطوات الأولى لتأمين روافد مالية لصندوق المؤسسة، تتكشَّف معلومات داخل أروقة المؤسسة، تفيد بوجود نوع من التنسيق بين موظّفتين إحداهما في وزارة المالية والأخرى في مؤسسة كهرباء لبنان، تعرقلان حصول موظّفي المؤسسة على الدعم المالي المُقَر لهم كمساعدات اجتماعية، لقاء تدنّي القدرة الشرائية لرواتبهم الأساسية بالليرة، وفي المقابل تُسَهَّل عملية دفع مئات ملايين الدولارات لشركات خاصة متعاقدة مع المؤسسة. والملف ينتظر البت.
تصديق قرارات لتسيير المرفق العام
ترتبط صيغة “تسيير المرفق العام” كثيراً بمؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة، وصولاً إلى حدّ التماهي. فبواخر الطاقة وشركات مقدّمي الخدمات وتلزيم المعامل وغيرها الكثير من الملفات، انطلقت سريعاً ولصالح جهات محدَّدة، تحت غطاء تسيير المرفق العام.
على أن هذه الصيغة ليست خاطئة تماماً. فالقصد منها استمرارية خدمات الدولة وعدم توقُّفها لأي سبب. لكن طريقة إدارة المؤسسات هي التي جعلت من العبارة عنواناً للتحاصص وطرح التساؤلات.
فوفق معلومات “المدن”، يتناقل موظفون في مؤسسة كهرباء لبنان، أخباراً عن دفع المؤسسة “نحو 107 مليون يورو لإحدى الشركات المشغِّلة لمعمليّ الزوق والجية الجديدين. ونحو 120 مليون دولار وزّعت على شركات مقدّمي الخدمات. في حين أن الموظفين حُرِموا من المساعدات المالية التي يقدّر مجموعها بنحو 500 مليون دولار سنوياً، فيما المبالغ التي حصلت عليها الشركات هي مبالغ فصلية، أي سيتبعها مبالغ أخرى”.
موظّفو المؤسسة “كانوا ينتظرون المساعدة المالية التي وافق عليها مجلس إدارة المؤسسة وأحيل الملف إلى وزارتيّ الطاقة والمالية. وبعد تأخُّر الوزارتين في الرد، بات الملف بمثابة “المصدَّق حكماً” بسبب ضرورة تسيير المرفق العام. وهذا الملف شأنه شأن أكثر من 40 قراراً صُدِّقَ حكماً منذ نحو أربع أو خمس سنوات حتى اليوم، ولم يتم وقف أي ملف سوى ذلك المتعلِّق بالمساعدات المالية للموظفين”.
شروطٌ تعجيزية لإقرار الدعم
نفت مصادر إدارية في مؤسسة كهرباء لبنان، هذه المعلومات خلال حديث لـ”المدن”، وخصوصاً دفع مبالغ مالية للشركات. لكن الموظفين أصرّوا على حقيقتها مستندين إلى واقعة “تصديق مجلس الإدارة على المساعدات وإرسال الملف إلى وزارة المالية التي بدورها أعادته 3 مرات بذريعة ضرورة إقراره بمرسوم وليس بمجرَّد قرار. مع أن إقراره بمرسوم يعني تشريع المساعدة وتحويلها إلى مبالغ مالية مدفوعة ضمن أساس الراتب، وهو ما لا يتوافق مع المساعدات المدفوعة في كل القطاعات، والتي لا تدخل في أساس الراتب”.
أبعد من ذلك، تعود أصابع الاتهام إلى إحدى الموظفات النافذات في المؤسسة، والمتّهمة بالتقصير في ملف فواتير الكهرباء المزوَّرة، وقد استدعتها القوى الأمنية للتحقيق. وتلك الموظَّفة اشترطت على الموظفين الحضور إلى العمل 6 أيام أسبوعياً، قبل الحصول على المساعدات المالية، وعندما وافق الموظّفون، عادت وعرقلت المذكّرة الإدارية لأنها لم تتوقَّع موافقة الموظفين، بل طرحت الشرط كوسيلة للتعجيز، ظناً منها أن الموظفين لن يوافقوا على الحضور لستة أيام”. وترافقت العرقلة مع عرقلة أخرى داخل وزارة المالية “عبر إحدى المديرات في الوزارة”. علماً أن العرقلة لا سندَ قانونياً لها، إذ أن “وزير المالية لم يصدر قراراً بإلغاء المساعدات المالية أو بتحديد أي شرط لإقرارها ودفعها، وإدارة مؤسسة كهرباء لبنان لم تصدر أي قرار مغاير لقرار موافقتها السابقة. أي أن الدفع معلَّق اعتباطياً، لا أكثر، بقرار من موظّفَتين”.
شكوكٌ تتحوَّل مع الوقت إلى يقين بالنسبة للموظفين. وتُدَعَّم علامات الاستفهام بتساؤلات حول “عدم تدخُّل الموظفة في وزارة المالية لوقف تحويل ملايين الدولارات لشركات خاصة، في حين تسارع إلى وقف دفع مساعدات مالية لموظفين يعملون على تطبيق خطة الطوارىء التي من المفترض أن تتحسَّن بموجبها ساعات التغذية. فهل تُنَفَّذ الخطة بحرمان الموظفين من حقوقهم التي اكّدت عليها الخطة نفسها؟”.
ينتظر الموظفون بتَّ الملف قريباً، ولا يقبلون عذر عدم توفُّر المال أو الحرص على المال العام. على أن يقترن البتّ بتحقيق موسَّع حول المبالغ المالية التي تُصرَّف في مؤسسة كهرباء لبنان بموافقة وزارة المالية. فمع أن المؤسسة تتمتَّع باستقلال مالي، إلا أن الصرف من ميزانيّتها مشروط بموافقة وزارة المالية على فتح اعتماد مالي بالصرف. ويسهم هذا الشرط في عرقلة دفع المساعدات للموظفين. فهل يحسم وزير المالية يوسف الخليل الملف؟.