تحكم الأزمة الاقتصادية الخناق على رقاب اللبنانيين في كل مناحي حياتهم. آخر فصولها ما تسبب به انقطاع المحروقات وخفض الدعم عنها إلى حدود 3900 ليرة للدولار، من رفع لفاتورة «سيترنات» المياه، المصدر شبه الوحيد المتوفر صيفاً لتلبية الحاجة إلى المياه. فقد ارتفعت فاتورة «سيترن» مياه الخدمة من نحو 100 ألف ليرة شهرياً إلى حدود قياسية بلغت في متوسطها 500 ألف ليرة، وهو رقم مرشح للارتفاع رهناً بالظروف المستجدة وبمزاجية أصحاب الصهاريج الذين يفرضون شروطهم على الزبائن، مثل ألا تقل سعة الحمولة المراد تعبئتها عن عشرة براميل، وتضاعف سعر «النقلة» فيما لو كان الخزان المراد ملؤه على السطح، والانتظار ساعات طويلة قبل قدوم الصهريج بسبب كثافة الطلب، فيما لا يملك الزبائن إزاء هذه الشروط إلا الامتثال وإلا… لا مياه!
وكان المدير العام لمؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان جان جبران قد حذّر من صيف قاس لأن موسم الشحّ هذا العام يترافق مع تقنين للكهرباء وفقدان مادة المازوت، ما يفرض تقنيناً قاسياً على المياه. وتوفر مؤسسات المياه، حالياً بين 3 و6 ساعات من التغذية كحد أقصى في بيروت، وبين ساعتين و4 ساعات في بقية المناطق، بالكاد تكفي لملء نصف الخزان المشترك لأي مبنى. ووفق مصادر خاصة، فإن «الأزمة الفعلية» لم تحدث بعد بسبب تزويد بعض الأحزاب والبلديات محطات ضخ المياه بالمازوت لتشغيلها.
مع إعلان خفض الدعم عن المحروقات، رفع أصحاب صهاريج المياه سعر «نقلة» المياه من 25 ألف ليرة إلى 50 ألفاً كحد أدنى، فيما تصل كلفة «رفع النبريش» إلى السطح إلى 50 ألف ليرة أخرى بحجة غلاء المازوت، والحصول عليه من السوق السوداء، مضافاً إليه كلفة صيانة أعطال الصهريج.
ووفق منظمة الصحة العالمية، يحتاج الإنسان إلى ما بين 140 و150 ليتراً من المياه لجميع احتياجاته اليومية. وعليه فإن عائلة من خمسة أفراد تحتاج بالحد الأدنى إلى 700 ليتر مياه يومياً، أي نحو ثلاثة براميل ونصف برميل يومياً. وبالتالي، فإن خزاناً بسعة 10 براميل يكفي العائلة لثلاثة أيام تقريباً. في الخلاصة، تحتاج عائلة متوسطة إلى تعبئة خزان المياه 10مرات شهرياً بكلفة 500 ألف ليرة. وهذا الواقع يصبح أشد وطأة مع تكاليف وفواتير أخرى يضطر اللبناني إلى دفعها كفاتورة المولد الكهربائي والسلة الغذائية وتكاليف النقل… فيما أغلب الموظفين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية على سعر 1515! هذا جزء مما يدفعه اللبناني من تكاليف الانهيار، وما خفي أعظم لأن جودة الخدمات التي يدفع مقابلها ماله محطّ تساؤل حول نوعيتها وجودتها وخلوّها من الموبقات التي لن تظهر نتائجها على المدى القصير!