على مشارف انتهاء العام 2024 يرزح نحو 400 ألف متقاعد في القطاع العام تحت رحمة غياب نظام الحوكمة. منذ بدء الأزمة المالية في لبنان عام 2019 وقضية رواتب القطاع العام تتفاعل يوماً بعد يوم بين مؤيد ومعارض للزيادات الحكومية التي “مننوا” بها الموظفين.
خمس سنوات من المعاناة والإضرابات لم تفض إلى نتيجة مرجوة، وسط رياح شديدة عصفت بالقطاع ككل وشلّته بشكل شبه كامل، وهو الذي كان يشكل العمود الأبرز من أعمدة الدولة. على الرغم من كل المحاولات والالتفاف على القانون، إلّا أن الموظفين لم يُنصفوا وكل التقديمات التي أعطيت لهم أبقت رواتبهم بعيدة جداً عما كانوا يتقاضونه عام 2019، إذ كان موظف الفئة الخامسة آنذاك يتقاضى حوالى مليون ليرة لبنانية أي ما يعادل 660 دولاراً، وهو راتب الفئة الأولى اليوم. خسر الموظفون نحو 60% من رواتبهم والمتبقي منها تلاشى مع التضخم الهائل وغلاء المعيشة وارتفاع الضرائب وسط غياب تام للمعنيين بإيجاد صيغة قانونية لزيادة الرواتب تأخذ في الاعتبار إيرادات الدولة واستقرار سعر الصرف.
رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي حاول إسكات الموظفين عبر فتات ملاليم، لا خطط رسمية إذ كل الزيادات التي أعطيت للمتقاعدين وللذين في الخدمة الفعلية من موظفين في الإدارات الرسمية والأسلاك العسكرية منذ 2020 حتى 2024 وصلت إلى حدود 13 راتباً للمتقاعدين و 14 راتباً للعاملين في الخدمة الفعلية استناداً إلى راتب عام 2019، ولم تدخل في صلب الراتب، كما لم تلحظ موازنة 2025 ضم الزيادات إلى الراتب الأساسي، بل اكتفت الحكومة الحالية بالقول إنها ستدرس مشروع قانون لضم المساعدات إلى أساس الراتب. وعملت وزارة المال من جهتها، على تعزيز واردات الدولة وباتت الخزينة قادرة على تأمين صرف جميع الرواتب.
لكن الإشكالية تكمن في تفاوت سعر الصرف المعتمد، لمن يتقاضون راتباً تقاعدياً ومن انتهت خدماتهم على أساس تعويض صرف. تؤكد عضو رابطة موظفي الدولة نوال نصر أن “كل من خرج على سن التقاعد بتعويض صرف بعد العام 2019 تقاضاه على دولار سلسلة الرتب والرواتب التي وضعت عام 2017 أي على دولار 1500 ليرة”. وتلفت إلى أن “الموظف يقضي ثلث حياته في خدمة الدولة ولدى تقاعده يتقاضى تعويض صرف لا يتعدى مصروف شهر واحد”. نصر التي واجهت مع العديد من الموظفين إجحاف الدولة، أكدت أنه “حتى مع فقدان قيمة الراتب وحصول الموظف على 30% من راتبه الأصلي، هناك استنسابية في التعاطي مع الموظفين، إذ فَصلت الشروط الموضوعة من قبل الدولة، بين موظفي الإدارة العامة والتعليم والقضاة والسلك العسكري، بحيث تجد فروقات في راتب موظف من الفئة والدرجة ذاتهما”.
وأكملت نصر أن “الموظف يدفع من كرامته وتعبه في المقابل يتلقى زيادات على شكل شحادة، وبحسب المعلومات ثمة اقتراحات بزيادة طفيفة على سعر صفيحة البنزين والمازوت تذهب لتمويل راتبين إضافيين للقطاع العام مطلع العام 2025، على ألّا تسمح هذه الزيادة بارتفاع عجز الموازنة، خصوصاً أن المصرف المركزي لا يستطيع تأمين أي تمويل بديل وكان قد توقف عن تمويل الحكومة منذ سنة.
لم يخرج الاجتماع الأخير الذي عقد في السراي بطرح يلبي طموحات الموظفين ولا حتى بصيغة لتصحيح الأجور، علماً أن الخطة الموضوعة كانت تقضي برفع رواتب القطاع العام لتصل إلى 46 ضعف راتب عام 2019 لكن بالتدرج على سنوات، لتأتي التطورات الأمنية وتحول دون عرضها على الوزراء ومناقشتها. ليتأرجح راتب الموظف بمعدل 14 ضعف الراتب الأساسي، مشروط بحضور 16 يوماً على الأقل، كما إلزام الموظفين بالدوام الرسمي الكامل، والّا لا بدل إنتاجية أو مثابرة المتراوح بين 17 و25 مليون ليرة، كما بدل نقل يصل إلى 16 صفيحة بنزين في الشهر بحده الأقصى.
لجنة المؤشر خلال اجتماعاتها المتكررة، رفعت الحد الأدنى للأجور للقطاع الخاص إلى 18 مليون ليرة، وأبقي على الحد الأدنى للأجور للقطاع العام على 900 ألف ليرة بحسب رئيس الإتحاد العمالي العام بشارة الأسمر، مؤكداً أنه قدم دراسة شرح فيها أن الحد الأدنى للأجور يجب أن يكون 55 مليون ليرة ليتماشى مع موجة الغلاء وتفلّت الأسعار، لكن الحكومة رفضت الطرح متذرعة بأن الزيادات التي أعطيت للموظف تفي بالغرض.
وأشار الأسمر “في حال انتخب رئيس للجمهورية وشكلت حكومة جديدة، ستعود المطالبة بتصحيح الأجور وبسلسلة رتب ورواتب جديدة تلحظ ضم الزيادات إلى الرواتب، كما إصلاح نظام التقاعد وتعويضات نهاية الخدمة ورفع سن التقاعد. لا يختلف اثنان على أحقية زيادة رواتب القطاع العام، لكن يجب على سلسلة الرتب الجديدة، التي من المتوقع أن تُناقش في أول جلسة لمجلس الوزراء مخصصة للقطاع العام، أن تبنى على تصنيف الوظائف وعلى دراسة متأنية كي لا ترتد بالسلب على النمو الاقتصادي، وتحديداً استمرار الإستقرار النقدي بعدما نجح حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري برفع الاحتياطي من العملات الأجنبية إلى 10 مليارات دولار.