أصدرت منظمة «مينا فاتف» المعنية بمكافحة تبييض الأموال ومعايير مكافحة تمويل الإرهاب، تقريراً عن تقدّم لبنان في هذا المجال. وهذا التقرير يعتبر تمهيدياً للقرار الذي سيُتّخذ في الربيع المقبل بشأن وضع لبنان على اللائحة الرمادية. باختصار، يقول التقرير إنّ لبنان يفي ببعض المتطلبات، ولكن ينقصه الكثير من التقدّم، ولا سيما في مجال الامتثال المتعلّق باقتصاد الكاش، وبمتابعة المنظّمات الحزبية العسكرية الكبرى (المقصود فيها حزب الله)، وببعض الدوائر الحكومية.أتى هذا التقرير بعد زيارة ميدانية أجراها فريق من المنظمة بين 18 تموز و3 آب 2022، وهو يعترف بأن لبنان لديه تقييماً محدّثاً للمخاطر في مجال تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وعلى أساسه يتم تصنيف الجرائم الأكثر خطورة، والقطاعات المالية وغير المالية الأكثر عرضة لخطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ولكن المشكلة تكمن في أنه «تم العثور على مستوى أقلّ من فهم مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب الناشئة في القطاع المالي غير المنظّم، وفي أنشطة منظّمة شبه عسكرية محلية كبرى، بالإضافة إلى تلك الناشئة عن الفساد الحكومي على مستوى رفيع في البلاد». وبشكل عام، فإنّ تحقيقات السلطات اللبنانية بشأن تبييض الأموال «إلى حدّ ما لا تتناسب مع المخاطر والتهديدات»، وهذا ينطبق أيضاً على «الملاحقات القضائية… ولا سيّما في ما خصّ التهريب الجمركي، التهرّب الضريبي، جرائم تجارة البشر وتجارة المخدرات غير الشرعية».
يضع التقرير ضغوطاً على القوى الأمنية التي يحاول أن يدفعها لتصنيف حزب الله، مشيراً إلى أنه بالنسبة إلى المؤسّسات التي تنفّذ القانون، أي مديرية المخابرات العامة في الجيش اللبناني وشعبة المعلومات في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي والمديرية العامة لأمن الدولة، فهي «تتابع أنشطةً مختلفةً لتمويل الإرهاب، بما في ذلك جمع الأموال (من مصدر مشروع أو غير مشروع)، وحركتها وانتقالها عبر القطاع الرسمي أو غير الرسمي أو عبر الحدود، وسعيها إلى التمويل الذاتي والتمويل المستقلّ، وتمويل الجماعات الإرهابية التي تنشط بشكل أساسي على المستوى المحلي، بالإضافة إلى تمويل سفر المقاتلين إلى مناطق النزاع»… ولكن كل هذه الجهود «لم تشمل إجراء تحقيقات بشأن التهديدات المحتملة التي تشكّلها أنشطة منظمة شبه عسكرية محلية كبرى».
يحاول التقرير القول إنّ لبنان ملتزم بالتصنيفات الدولية للأشخاص والشركات المدرجين على لوائح العقوبات، بل تبيّن أن لبنان متعاون جداً في هذا المجال، لأنه «على مدى السنوات الخمس الماضية، قدّم لبنان اقتراحاً بإدراج عدّة أشخاص، من طرف واحد، إلى لجنة العقوبات. كما قام مع دول أجنبية بإدراج مجموعة من الأشخاص والكيانات، وقدم معلومات مفصّلة عن بعض المدرجين»، ولكن رغم ذلك يبدو أنّ المؤسسات المالية، باستثناء المصارف، لا تتابع تحديثات لوائح مجلس الأمن «وهو ما قد يؤثّر على تنفيذ التزامات تجميد الأصول من دون تأخير». كذلك يقول إنّ معظم المؤسّسات المالية والأعمال والمهن غير المالية تدرك جيداً متطلّبات مراقبة التحديثات التي يتم إجراؤها على القائمة المحلية وتجميدها وإبلاغها إلى هيئة التحقيق الخاصة. ومع ذلك، هناك بعض الثغرات في التنفيذ العملي لهذه المتطلبات».
وينوّه التقرير بما يقوم به لبنان لجهة متابعة تطبيق العقوبات المالية بشأن كوريا الشمالية وإيران بشكل يومي ومباشر، وأنّ المصارف وشركات تحويل الأموال وشركات الصرافة من النوع «أ» تحرص على متابعة التحديثات في الوقت المناسب واستخدام الأنظمة الإلكترونية «إلّا أنّ الأعمال والمهن غير المالية المحددة ليست على علم بالتزاماتها في هذا الصدد». ويشير إلى أنّ «لدى كتّاب العدل فهماً محدوداً لمخاطر غسل الأموال المتعلّقة بأعمالهم». ويطلب من لبنان اتّخاذ إجراءات إضافية تتعلّق بالترخيص والتسجيل، ولا سيما في مجال تحديد المالك المستفيد في المؤسّسات المالية لتحديد الكيانات التي تمارس سيطرةً غير مباشرة، بالإضافة إلى تدابير دورية للتحقّق من استمرار سلامة السجلّات الجنائية، وتدابير لمنع شركاء المجرمين من الحصول على الاعتماد المهني لممارسة الأنشطة غير المالية. وينتقد التقرير «معوّقات تتعلّق بالسرية المهنية التي تمنع نقابة المحامين، وهي الجهة المشرفة على قطاع المحامين، من الوصول إلى أيّ معلومات للتحقّق من التزام المحامين بالتزامات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب»، إذ تبيّن له أنّه «تم تطبيق عقوبات مالية وإدارية على المصارف والمؤسسات المالية، من دون اتّخاذ أيّ إجراءات تأديبيّة ضدها».
في النهاية يقول التقرير إنّ متطلبات مكافحة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب لا تتوافق مع ملف المخاطر الخاص بالبلد. فضلاً عن «التأخير في إرسال طلبات المساعدة القانونية المتبادلة، ونقص في تقديم طلبات استرداد الأصول المسروقة، إذ لا تبذل جهود إضافية لتذليل معوّقات تنفيذ هذه الطلبات. بل يقوم لبنان بالتعاون غير الرسمي مع نظرائه بطريقة متفاوتة، وهو تعاون لا يُعدّ متّسقاً مع ملف المخاطر».