تعتبر قصة الجاسوس البريطاني إيدي تشابمان (Eddie Chapman) واحدة من أغرب وأشهر القصص التي شهدتها الحرب العالمية الثانية، حيث تحوّل هذا الرجل من سجين إلى بطل في وطنه. في السابعة عشرة من عمره، غادر إيدي تشابمان، الذي ولد عام 1914، منزل والديه ليلتحق بقوات الحرس البريطاني ويكلف لاحقاً مع انقضاء فترة التدريبات بحراسة برج لندن. وبعد مرور عدة أشهر، ملّ إيدي من عمله لصالح الحرس ففرّ من موقع عمله ليتعرض على إثر ذلك للاعتقال ويقضي أشهراً خلف القضبان. سجله الأسود لم يكتفِ بهذه التهمة فقط، فبعد مغادرته السجن وتسريحه من عمله، قام تشابمان بالعديد من الأعمال المخالفة للقانون كالاحتيال والسرقة، كما انضم لإحدى العصابات الإجرامية التي عملت على نهب ممتلكات الأثرياء، لينتهي به المطاف سنة 1939 في السجن مرة أخرى وتحديداً بجزيرة جيرسي البريطانية ببحر المانش. وفي أواخر شهر حزيران 1940، حصل ما لم يكن في الحسبان، حيث وقعت الجزر البريطانية الواقعة قبالة السواحل الفرنسية في قبضة القوات الألمانية وتزامن مع ذلك نقل الألمان السجين إيدي تشابمان نحو أحد سجون باريس.
الحكم على إيدي كان 20 سنة بحسب القانون البريطاني، الا أنه لم يرضخ للأمر الواقع وعرض خدماته على الألمان معلناً إستعداده لان يصبح جاسوساً، واعداً إياهم بمساعدتهم في تخريب عدد من المنشآت البريطانية وتزويدهم بمعلومات حساسة. وبالطبع وافق الألمان على عرض تشابمان وتم تدريبه من مسؤول جهاز المخابرات ستيفان فون غرونينغ على استخدام القنابل والقفز بمظلة الهبوط. وفي شهر كانون الأول 1942، قامت المخابرات الألمانية بإرسال عمليها الى بلده الأم ومنحته مهمة تفجير أحد مصانع الطائرات بمدينة هاتفيلد. وفور عودته، لجأ إيدي تشابمان الى مسؤولين بجهاز المخابرات العسكرية البريطانية وأطلعهم على حقيقة عمله مع الألمان عارضاً عليهم العمل كعميل وجاسوس مزدوج لصالحهم، واعداً إياهم بتزويد الألمان بمعلومات خاطئة ونقل بيانات حساسة عنهم. وبالطبع وافقت السلطات البريطانية على طلب تشابمان وجنّدته لصالحها. ولإيهام الألمان بنجاح مهمته، أقدم البريطانيون على افتعال تفجير بمصنع ثانٍ شبيه بذلك المخصص لصناعة الطائرات بمدينة هاتفيلد. ولهذا السبب ازدادت ثقة الألمان بعميلهم المزيف الذي حصل على وسام الصليب الحديدي الألماني ومكافآت مالية ويخت قبل أن توكل إليه مزيد من المهام الأخرى.
وفي شهر حزيران 1944، اضطلع تشابمان بدور هام وأساسي في إنقاذ العاصمة البريطانية لندن من دمار هائل. حيث لجأ الألمان لاستخدام سلاح جديد وذي قدرة تدميرية هائلة عرف بالقنابل الطائرة V-1، فاعتمدت القوات الألمانية على منصات إطلاق بكل من باد كاليه والأراضي الهولندية لاستهداف لندن. وبما أن الألمان لم يكونوا قادرين على قيادة مهمات استطلاعية بالأراضي البريطانية أوكلت للعميل إيدي تشابمان مهمة نقل معلومات حول مواقع سقوط قنابل الطائرة الألمانية وحجم الدمار الذي خلّفته. وفي حين أن القذائف الألمانية سقطت على غابات مقاطعة كينت ومناطق جنوب لندن ذات الكثافة السكانية الضئيلة، زود تشابمان المسؤولين الألمان بتقارير كاذبة تفيد بسقوط القنابل في قلب العاصمة لندن وأكد لهم أنه حصل دمار كبير. وواصل تشابمان نقل مثل تلك الأخبار الكاذبة إلى حين نجاح الحلفاء في تدمير منصات الإطلاق الألمانية. وبفضل تقارير تشابمان نجا عشرات الآلاف من أهالي لندن من موت محقق ولهذا تحول في بلده إلى بطل قومي. يشار الى أن تشابمان واصل حياته المزدوجة بعد الحرب، وامتهن التهريب وأقام مزرعة في نفس الوقت. وتم نشر قصته الحقيقية في سنة 1966 والتي شكلت أساس فيلم “تريبل كروس” الذي صدر عام 1967.