مرة جديدة سيضيّع لبنان فرصة كشف الأموال غير الشرعية المهربة التي ستقدمها سويسرا الشهر القادم “على طبق من ذهب” لتبادل المعلومات حول الحسابات المالية. إذ وفقاً لبيان صادر عن “إدارة الضرائب الفيدرالية” مطلع هذا الأسبوع، ستسلم سويسرا معلومات حول 3.3 ملايين حساب لـ96 دولة حول العالم. الأمر الذي يسمح للسلطات الضريبية في الدول المشاركة بالتحقق مما إذا كان دافعو الضرائب قد أعلنوا عن حساباتهم المالية في الخارج بشكل صحيح في تصريحاتهم الضريبية.
لبنان لن يستفيد هذا العام من التبادل التلقائي للمعلومات لعدم “إيفائه بالمتطلبات الدولية المتعلقة بالسرية وأمن البيانات”، يقول رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين (ALDIC) المحامي كريم ضاهر. فـ”المرحلة الثالثة والنهائية من مشروع التعاون ما زالت عالقة في وزارة المالية منذ أكثر من عامين. حيث أقر من خطة العمل 6 نقاط من أصل 9 تضمن استفادة لبنان من تلقي المعلومات المالية بين الدول المشاركة في المعاهدة”.
من هنا قام كل من “المنتدى العالمي للشفافية وتبادل المعلومات”، و”منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية” (OECD) بوضع شروط تسمح للبلد بتلقي المعلومات المالية من دول ثانية. وفي حال عدم الالتزام بها أو تطبيقها “يتاح للبلد المشارك إعطاء المعلومات لكن لا يسمح له بان يتلقاها”، و”هذا هو واقع لبنان”، بحسب ضاهر. إذ إنه لم ينجز إلا مرحلتين من أصل ثلاث مطلوبة وهما:- إقرار مجموعة من القوانين، عرفت بقوانين الضرورة المالية، في العام 2015 تحت التهديد بفصل لبنان عن النظام المصرفي العالمي ووقف التحويلات ووضعه على اللائحة السوداء. ومنها: القانون 44 لمكافحة الفساد وتبييض الاموال.
– إصدار القانون 55 في العام 2016 الذي ألغى السرية المصرفية لغير المقيمين، وسمح بتبادل المعلومات وفقاً لآلية التبادل غب الطلب والتلقائي. ووضع القانون 55 الآلية التي تلزم المصارف باعطاء المعلومة للإدارة الضريبية اللبنانية حتى من دون أن تكون هناك موافقة من العميل، مقابل حق الاعتراض في ظرف 3 أشهر أمام مجلس شورى الدولة. على أن يأخذ الاخير قراره بسرعة.
بقيت المرحلة الثالثة والاخيرة، التي لا يمكن تجاوزها إلا عندما تعطي الدولة ضمانات أن المعلومة التي تحصل عليها عن العميل المقيم على أراضيها ستتم المحافظة على سريتها بشكل مطلق ولن يتم افشاؤها. وأن يكون الاشخاص الذين يتلقونها مؤتمنين. هذه الآلية التي تشبه “المراسيم التطبيقية” جرت عرقلتها ولم يتم تنفيذها لسبب واضح، وهو أنه “ليس من مصلحة الطبقة السياسية فضح من يملك حسابات في الخارج، وتحديداً بعد الفترة التي أعقبت ثورة 17 تشرين”، برأي ضاهر، “ذلك أن جزءاً كبيراً من المنظومة يملك حسابات في الخارج.
لغاية الانتهاء من تطبيق شروط الاستفادة من التبادل التلقائي للمعلومات المالية سيبقى لبنان يعطي المعلومات عن المودعين لديه لـ64 دولة من أصل 160 دولة منتسبة إلى المنتدى العالمي، ولا يحصل على أي معلومة عن حسابات المقيمين ضريبياً لديه في الخارج. وهذه الدول الـ64 تضم كل المراكز المالية والملاذات الضريبية حول العالم. الطامة الكبرى تتمثل بان “هناك الكثير من اللبنانيين المقيمين في دول الاغتراب ويملكون حسابات في لبنان تتم ملاحقتهم بتهم التهرب الضريبي بناء على هذه المعلومات”، بحسب ضاهر. و”حتى لو كانوا متهربين ضريبياً فان كشف حساباتهم في لبنان أدى إلى ملاحقتهم من قبل الإدارات الضريبية في الدول المقيمين فيها وتطبيق عقوبات مالية كبيرة جداً عليهم. في المقابل فان أموالهم محتجزة في المصارف اللبنانية ويتقاضونها بأقل من قيمتها الحقيقية بـ85 في المئة”. المفارقة أن لبنان الذي يزوّد الإدارات الضريبية في الدول بمعلومات تسمح لها لملاحقة المتهربين ضريبياً ممنوع عليه لغاية اللحظة أن يتلقى أي معلومات تسمح له بملاحقة مهربي الاموال بمليارات الدولارات الموضوعة في مصارف هذه الدول. و”المطلوب من وزارة المالية اليوم قبل الغد الانتهاء من خطة العمل ليسمح للبنان بالاستفادة من تبادل المعلومات”