يرتبط «الكابيتال كونترول» بالإجراءات التي تتخذها الدولة أو المصرف المركزي أو الهيئات التنظيمية الإقتصادية والمالية الأخرى لضبط السحوبات المصرفية والتحويلات إلى الخارج في وقت الأزمات، بمعنى آخر إجراءات الحدّ من تدفق رأس المال الأجنبي داخل وخارج الإقتصاد المحلّي. فمنذ إندلاع الأزمة الإقتصادية والماليّة في العام 2019، شهد لبنان موجة كبيرة من تسرّب لأموال وودائع مصرفيّة إلى الخارج، الأمر الذي أدّى إلى تدني إحتياطي البنك المركزي بالعملات الأجنبية، وبالتالي إلى تفاقم الأزمة وتطوّرها سلباً. فاليوم وبعد سنوات من الأزمة عاد نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة للمطالبة بإقرار «الكابيتال كونترول» كأولوية للبدء بالإصلاحات المطلوبة. فهل ينجح إقرار ذلك القانون أو بالأحرى هل من فائدة في إقراره؟
منذ انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وضع نواب الحاكم شروطاً لإقراض الدولة اللبنانيّة تتمثّل بتحقيق إصلاحات ماليّة ضمن جدول زمني معيّن في غضون 6 أشهر، على رأسها إقرار مشروع قانون «الكابيتال كونترول» وموازنة 2023. على أن يتبعها مشروع إعادة التوازن إلى القطاع المالي ومشروع قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي.
رأي صندوق النقد
كان صندوق النقد الدولي يطالب باستمرار منذ الأيام الأولى للأزمة بقانون «الكابيتال كونترول» تجنّباً لمزيد من الإنهيار المالي والنقدي. أمّا بعدما تمّ تهريب قسم من الرساميل والأموال إلى الخارج في بداية الأزمة، أصبح الهدف الأساسي لقانون «الكابيتال كونترول» في لبنان المحافظة على ما تبقى من رساميل وودائع داخل البلد، حماية لما تبقى من إحتياطي مصرف لبنان بالعملات الأجنبية بالإضافة إلى استعادة السيولة في القطاع المصرفي وحماية المودعين. إلا أن رأي صندوق النقد الدولي كان واضحاً لجهة أن إقرار القانون المذكور بعد مرور كل ذلك الوقت قد أصبح بدون فائدة، في حال لم يترافق مع خطة إصلاح شاملة للإقتصاد الكلي، فهو بالتالي يفضّل عدم إقراره في الظروف الحاليّة الا ضمن سلة كاملة متدرجة التطبيق.
المشروع معلّق
لا يزال إقرار مشروع قانون «الكابيتال كونترول» يخضع للمماطلة المتكرّرة بسبب إرجاء البت به مراراً وعدم التصويت عليه في الهيئة العامّة في مجلس النواب حتى اللحظة. فالفكرة الأساس التي انطلق منها مؤيدو مشروع القانون هي، ظاهراً، ضرورة الحفاظ على حقوق المودعين، وضمناً، حماية البنوك من الدعاوى لا سيما تلك التي ترفع في الخارج، أمّا معارضوه فيستندون إلى ملاحظات ودلائل معيّنة قد تجعل من هذه الإجراءات غير فعّالة خاصّة في الحالة اللبنانيّة.
معضلة كبيرة
في هذا السياق أكّد عضو المجلس الإقتصادي والإجتماعي عدنان رمّال عبر «نداء الوطن» أننا اليوم أمام معضلة كبيرة، فمع إحترامنا لنواب الحاكم، فإن ما يطالبون به اليوم شيء صحيح ولكن يكاد أن يكون بالمدى القصير والمتوسط صعباً جداً. فدائماً أي خطة يتم التوصل إليها تتعثر، باعتبار أن الدولة لم تذهب بالتدرج باتجاه الإصلاح أو الهيكلة، بل صرفت الأموال دون أي جدوى من خلال إنفاقها على مصاريف إستهلاكية وليس على مصاريف إستثماريّة». «تأخرنا كثيراً بالكابيتال كونترول»!أين المصارف من الخطة؟
بحسب مصادر ماليّة فإن الهدف من إقرار قانون «الكابيتال كونترول» بعد أربع سنوات على تهريب الأموال إلى الخارج، يكمن في تمكين المصارف من إعادة هيكلة رساميلها بالإضافة إلى الحدّ من المخاطر القانونية تجاه القطاع المصرفي.
وفي هذا السياق فقد اعتبر كبير الإقتصاديين في مجموعة بنك بيبلوس السيّد نسيب غبريل، لـ»نداء الوطن»، أنه «إذا وضعنا التجاذبات والمزايدات جانباً، فإن قانون الكابيتال كونترول يشكّل ضرورة منذ اليوم الأول إذ كان يجب إقراره في أيلول 2019، فالفائدة منه لا تقتصر على مطالبة صندوق النقد به بل أيضاً باعتباره يساوي بين المودعين ويسمح بتطبيق مشاريع القوانين الأخرى، كإعادة التوازن إلى القطاع المالي الذي يحدّد مصير الودائع وإعادة هيكلة القطاع المصرفي الذي يؤدي الى إعادة التوازن لعمل القطاع المصرفي». «فما يقوم به نواب الحاكم هو تذكير الأفرقاء بضرورة إقرار هذه القوانين الإصلاحية ضمن جدول زمني محدّد».
فرز الحسابات قبل وبعد 17 تشرين
إن مشروع «الكابيتال كونترول» المقترح في لبنان، يسري ويطبّق في حال إقراره في مجلس النواب على جميع الحسابات التي تم إنشاؤها قبل تاريخ 17 تشرين الثاني 2019. وبالتالي فإن هذه التدابير لن تشمل الحسابات بالدولار التي تم إنشاؤها بعد هذا التاريخ. ففي هذه الحالة لا معنى لإقراره وفقاً لمصادر ماليّة متابعة.
وفي هذا الإطار أشار السيّد غبريل إلى أن «الكابيتال كونترول بداية الأزمة، هدفه شيء، واليوم هدفه شيء آخر. اليوم توجد حسابات بالدولار لن يتم وضع أية قيود عليها بحسب مشروع القانون المقترح. فالهدف اليوم من مشروع الكابيتال كونترول هو المساواة بين المودعين، بينما بالنسبة للودائع فمشروع قانون إعادة التوازن إلى القطاع المالي هو الذي سوف يحدد مصير الودائع التي كانت موجودة قبل 17 تشرين. حالياً يوجد حوالى 220 ألف حساب بالدولار في المصارف ليس لها علاقة بمشروع الكابيتال كونترول باعتبار أنه تم إنشاؤها بعد هذا التاريخ».
جمعية المودعين تحذّر
في إستطلاع لرأي جمعيّة المودعين بالنسبة إلى مشروع قانون «الكابيتال كنترول» اعتبر رئيس جمعية المودعين السيّد حسن مغنيّة «أننا نحن اليوم كجمعية ضد مشروع الكابيتال كونترول المطروح، ببساطة لا يمكن الحديث عن الكابيتال كونترول دون معرفة ما تبقى من قيمة أموال في المصارف. فعن أي كابيتال يتحدثون؟ في حال وجود كابيتال فليتفضلوا ويمنحوه لأصحاب الحقوق».
ويضيف مغنيّة: «الكابيتال كونترول موجود منذ 17 تشرين، فالمصارف التجارية فرضت كابيتال كونترول غير قانوني على المودعين. اليوم يتمّ فرض هذا المشروع ولا فائدة منه بعدما تم تهريب أغلبية الأموال إلى الخارج، هو يضر بالإقتصاد، فأي مستثمر سوف يأتي إلى لبنان لإقامة مشاريع وهو على علم مسبق أنه لن يستطيع إخراج أمواله إلى الخارج؟ ففي الدرجة الأولى، هذا المشروع يقتل الإستثمار، أمّا في الدرجة الثانية فعلى من يسري هذا المشروع بعدما قام السياسيون والنافذون بتحويل أموالهم إلى الخارج؟
إن قضية الكابيتال كونترول اليوم هي فقط ليقولوا للمودعين إن هذا القانون أصبح أمراً واقعاً وملزماً، فهم يريدون أن يتخلصوا من ملف الودائع في المصارف اللبنانية». ويسأل حسن مغنية: «من هو النائب أو الوزير أو صاحب البنك الذي يستطيع أن يعيش بـ 800 دولار في الشهر كما جاء في مشروع القانون؟».
ضبط الإستيراد
تفاقُم العجز في الميزان التجاري مستمر. فالإستيراد يفوق التصدير بفاتورة تقدّر بحوالى 19 مليار دولار للإستيراد (2022) مقابل حوالى 4 مليارات دولار للتصدير، أي هناك حوالى 15 مليار دولار فرق عجز. فلبنان يستورد ويدفع بالعملات الأجنبية، فأي معنى لـ»الكابيتال كونترول» إذا لم يتم ضبط الإستيراد وضبط الحدود؟
بحسب المصادر، لكي ينجح مشروع ضبط الرساميل، تحتاج الدولة اللبنانيّة إلى اعتماد سياسة فعّالة لضبط الإستيراد. فالأزمة تستدعي ضبط ما تبقى من دولارات في البلد من حيث الأولويّة بالإستخدام (أدوية وغذاء…)، وبالتالي فإن تقييد الإستخدام هذا يأتي كإجراء يساهم في إعادة التوازن نسبياً إلى الميزان التجاري، ومنه تعديل ميزان المدفوعات لكي يصبح في حالة فائض بعد ضبط التحويلات العاديّة ايضاً. ما يؤثر بشكل مباشر ايجاباً على إستقرار سعر صرف الليرة اللبنانيّة.
التجّار إلى الواجهة
يعتبر التجار وأصحاب الرساميل الكبيرة أن إجراءات التقييد تلك في حال تمّ تطبيقها، فهي ستضع قيوداً على مصالحهم وحساباتهم الـ»Fresh»، فهم لن يستطيعوا استخدام حساباتهم بالقدر الذي كانوا يرونه مناسباً لتسيير شؤون معاملاتهم التجاريّة.
في غضون ذلك، كشف السيّد عدنان رمّال لـ»نداء الوطن» أنه «نحن كإقتصاديين نرفض أن يتم ضبط الإستيراد من الأموال الجديدة، طالما أن القطاع التجاري يعمد إلى تأمين أمواله من خارج المنظومة المصرفية ومن خارج أموال المودعين، فمن غير المفروض أن يكون هناك منع للإستيراد خاصة أن لبنان بلد غير مصنّع ويعتمد بشكل أساسي على الإستهلاك الذي يمثل حاجات الناس. هذا يعني أننا نضيّق الخناق على البلد أكثر ولهذا الضرر كبير. فمن غير المقبول وضع قيود على الإستيراد».
ورداً على سؤال كيف سنتمكن من الحد من العجز بالميزان التجاري في حال لم يتم ضبط الإستيراد؟ أشار رمّال إلى أن «العجز بالميزان التجاري موجود في لبنان منذ نشأته. القدرة الإستهلاكية لـ80% من الشعب اللبناني ضعيفة فمعظمهم يقبض رواتبه بالليرة اللبنانية، هذا يعني أنه تم ضرب القدرة الشرائية الأمر الذي يستتبع تلقائياً تراجع الإستهلاك الذي بدوره يؤدي إلى تخفيض الإستيراد».
حلول استثنائيّة ومؤقتة
تأتي أهميّة «الكابيتال كونترول» أنه يسمح باستخدام الدولارات المتبقية في النظام المالي اللبناني وفق أولويات لها علاقة بالأزمة ولمّدة سنة واحدة كما ينص مشروع القانون، بحيث يحمل هذا المشروع حلولاً استثنائيّة ومؤقتة ترمي إلى وضع ضوابط مرحليّة بما يساهم بتقييد استخدام الدولارات وتوجيهها نحو الأولويات الحياتيّة الملحّة. فهل من قدرة على تحمّل هذه القيود؟ ومن هم اصحاب المصالح الذين يعارضون؟