عند كل مفترق اقتصادي، وما أكثرها، كان احتياطي الذهب يقفز إلى واجهة الحلول. لكن سرعان ما كانت أشعته الصفراء تخبو تحت رماد حماية ثروة لبنان الأهم، وعدم جواز تعريضها للضياع بوضعها على طاولة “روليت” السياسيين. فمهما كانت قيمة هذه “الفيشة”، لن تصمد لأكثر من “برمة” واحدة على طاولة تخطت خسائرها الـ 200 مليار دولار. أكثر من 10 ملايين أونصة تجاوزت منذ العام 1971 قطوعاً تلو الآخر. فلم تُمسّ بعد الحرب الأهلية ولا عند حاجة لبنان إلى السيولة مطلع الألفية الثانية، ولا عقب الخضات المتتالية منذ العام 2005 وصولاً إلى نهاية العام 2019. فهل سيستمرّ نهج تحييد “الذهب” مع وصول “موس” الأزمة إلى رقبة الوطن والمواطن؟
كثر بدأوا يتحدثون صراحةً أن أوان استخدام الذهب حان، على قاعدة السؤال: إن لم يكن اليوم هو الوقت الملائم للاستفادة منه فأي متى يكون؟
العين، إذاً، على 286.6 طناً من الذهب بقيمة تقدر اليوم بحوالى 18 مليار دولار، قد يؤمّن “استخدام جزء منها كضمانة لأخذ قروض overdraft بقيمة 5 إلى 6 مليارات دولار وضخها في الاسواق عبر المصارف، لتأمين السيولة للشركات في القطاع الخاص وسوق القطع، ما يحد بالتالي من المضاربة على العملة في السوق السوداء”، يقول رئيس فريق الابحاث الاقتصادية في بنك بيبلوس نسيب غبريل. “فالهدف من هذا الطرح الذي لا يعني تسييل الذهب، هو التعويض عن انقطاع أو تراجع التدفقات النقدية من العملات الاجنبية التي لبنان بأمس الحاجة اليها، وتأمين السيولة المطلوبة ومساعدة ميزان المدفوعات، إلى حين بلورة اتفاق جدي مع صندوق النقد الدولي”.
الاستفادة من جزء من احتياطي الذهب من دون المس به يعتبر أساسياً لمعالجة أزمة السيولة الخانقة التي يعيشها البلد واستعادة الثقة من خلال التخلص من أسعار الصرف المتعددة. لكن بشرط ان يترافق هذا الطرح، من وجهة نظر غبريل، مع “وقف اسطوانة الاصلاحات واللجان والخطابات على المنابر التي لم تنعكس إلا زيادة في الضرائب، والانتقال إلى الأفعال، في الكهرباء والقطاع العام ومكافحة التهرب والتهريب… التي لا تتطلب إلا قرارات من مجلس الوزراء”.
تهدئة الوضع إلى حين إبصار الاتفاق مع صندوق النقد الدولي النور قد يكون أكثر ما يحتاجه اللبنانيون، بحسب مؤيدي هذا الطرح، إذ إنهم يعتبرون أنّ ترك الأمور معلقة على هذا الاتفاق المأمول، قد لا يُبقي لا بلداً ولا شعباً في ظل الانهيار الدراماتيكي المتسارع. فهل ينفع القرش “الأصفر” في هذا اليوم الأسود؟