هل تحسن الاقتصاد اللبناني او ما زال في حالة ركود وتباطوء؟

لا يمكن الركون الى تحسن او تباطوء الاقتصاد اللبناني وسط غياب المؤشرات الاحصائية التي تحدد مقدار النجاح او الفشل في هذا الاقتصاد الذي عانى الكثير خلال السنوات الست الماضية، من انهيار نقدي الى جائحة كورونا، الى انفجار مرفأ بيروت، الى الحرب الاسرائيلية، الى غياب الاصلاحات المطلوبة لاي اقتصاد يوضع على السكة الصحيحة.

ولكن اذا ما قارنا الاوضاع الاقتصادية في السنة الماضية بهذه السنة نرى ان الاوضاع الاقتصادية الى تحسن رغم غياب المؤشرات المساعدة على ذلك من خلال الملامح الاتية:

١- تحسن القطاع السياحي الذي كان واعدا هذه السنة ثم مقبولا بعد الحرب الاسرائيلية الايرانية مقارنة بصيف ٢٠٢٤ الذي لم يكن واعدا ولا حتى مقبولا.

٢-القطاع الصناعي: عاد الى انتاجه بقوة وتجلى ذلك من خلال الصادرات الصناعية مقارنة بالسنة الماضية حيث اقفلت معظم المصانع في منطقة الجنوب والضاحية الجنوبية بسبب القصف الاسرائيلي .

٣-التحويلات المالية من المغتربين التي ستصل الى ٧ مليارات دولار وهي التحويلات نفسها في العام الماضي ان ام تكن اقل.

٤- المفاوضات المتقدمة مع صندوق النقد الدولي حيث يرتقب وصول وفد منه الى لبنان في نهاية الشهر الجاري ولا يستبعد ان يوقع الاتفاق بينه وبين لبنان وهذا يعني فتح الاسواق المالية امام لبنان من جديد .

٥- التسليفات المصرفية التي عادت ببطء حيث قدرت ب ٥٠٠ مليون دولار فريش وهذا رقم يبنى عليه ويمكن ان يتطور مع تطبيق قانون الاصلاح المصرفي والفجوة المالية

نسيب غبريل

ويتساءل نسيب غبريل كبير الاقتصاديين في بنك بيبلوس عن المؤشرات الأساسية والحيوية التي تظهر واقع الاقتصاد وحركته الفعلية، إذ انه في ظل غياب الأرقام الواضحة لا يمكن الوصول إلى نتيجة حاسمة بخصوص نتائج القطاعات الاقتصادية وتبقى الآراء كلها مجرد تكهنات لا تعكس الواقع بشكل جلي فالاقتصاد اللبناني غير شفاف.

لذلك يرفض غبريل ان يعطي جوابا عن الحركة الاقتصادية ونسبة النمو فيها بغياب مؤشرات واضحة في قطاعات اساسية وحيوية مثل الصناعة والسياحة والزراعة او أن يكون لدينا أرقام الحسابات الوطنية لكن في الواقع لا تملك كل هذه القطاعات مؤشرات حديثة والمؤشرات الموجودة تعود إلى عام ٢٠٢١ كما أن آخر أرقام المالية العامة صدرت في نهاية العام٢٠٢١ ونحن نعلم تماما أن العام ٢٠٢٢ كان عاما صعبا للجميع . وقد كانت وزارة المالية تصدر شهريا في العام ٢٠٢١ تفاصيل مصادر الإيرادات وكم الفائض او العجز . اما في العام ٢٠٢٤ ومع بداية الشهور الأولى من العام ٢٠٢٥ فليس لدينا هذه الأرقام ولهذا كيف نستطيع تقييم الوضع الاقتصادي؟!.. ثانيا يعتمد الاقتصاد على السياحة وهنا أيضا ليس لدينا مؤشرات فيه .

كما ان شركات استيراد السيارات الجديدة اوقفت نشر احصاءاتها التي كانت مفيدة جدا لدراسة وضع البلد بالنسبة لقطاع النقل الخاص في لبنان .

كما ان حركة الاستيراد والتصدير التي كانت تصدر تباعا لم تعد تصدر لتبيان حقيقة الوضع .

اخر الارقام

وآخر أرقام تتناول عدد الزوار في لبنان صدرت في شهر نيسان ٢٠٢٥ لذا كيف نستطيع تقييم القطاع السياحي او نقدم تصورا عن توقعات النمو في العام ٢٠٢٥ ونحن لا نملك اي مؤشرات في القطاع السياحي تتناول عدد الزوار او النفقات السياحية او غيرها من أمور في هذا المجال. اننا نسمع احيانا بعض التصاريح من بعض القيمين على القطاع تقول ان الوضع هذا الصيف كان أفضل من العام السابق لكننا في الحقيقة نحتاج الى مؤشرات رسمية ودورية عن القطاع لكي نستطيع إدخال الأرقام في توقعات النمو .

اما بالنسبة للقطاع الصناعي فلقد دأبت وزارة الصناعة منذ سنوات على اصدار أرقام الصادرات الصناعية وكذلك كانت جمعية الصناعيين تصدر ارقامها عن الصادرات وعن الاستيراد الصناعي او الأدوات الصناعية لكن هذه الأرقام توقفت ولم تكن تعكس وضع القطاع وحركته ومدى مساهمته في الإقتصاد. أيضا انا اتساءل، يقول غبريل، عن الحسابات الوطنية في القطاع الزراعي فالحقيقه أنه لا يوجد أي أرقام تتناول القطاع الزراعي. كما أنه لا يوجد أرقام واضحة عن نسبة البطالة. في الخلاصة لا توجد مؤشرات في القطاع الصناعي او القطاع الزراعي إذ لا توجد حسابات وطنية عن هذين القطاعين فاين المؤشرات الأساسية التي تعكس مثلا حركة الزراعة في لبنان؟… من المعروف أنه يوجد في كل بلد من العالم مؤشرات خاصة عن كل قطاع سواء أكان قطاعا زراعيا او غيره.

لا يوجد لدينا أرقام دورية صادرة كل ثلاثة أشهر. لدينا فقط أرقام العام الماضي وما نستطيع قوله حاليا أنه في العام ٢٠٢٤ كان يوجد انكماش بمعدل ٧% بسبب الحرب الإسرائيلية على لبنان ومعنى ذلك اننا نتوقع وجود نوع من النمو نتيجة هذا الانكماش.إن ورشة إعادة الاعمار لم تبدأ بعد لكي نقول ان القطاع العقاري يساهم في الحركة الاقتصادية ولا نستطيع القول أيضا انه توجد قفزة بالنمو الاقتصادي بمعدل ٦ او ٧% نتيجة الانكماش. علينا اليوم إذن رؤية مؤشرات بديلة مثل مؤشر المشتريات الذي يصدر شهريا وهو يدل على الحركة الاقتصادية التي لم تتحسن بعد والوضع لا يزال في حالة ركود حتى شهر شباط من العام ٢٠٢٥ إذ حدثت قفزة متوقعة سرعان ما عادت للركود في الأشهر التالية ولم يسجل أي تحسن الا في شهر شباط الذي سجل تحسنا طفينا. اليوم توجد توقعات مع التغيرات الإقليمية والمحلية بعد انتخاب الرئيس وخطاب القسم الذي شكل صدمة إيجابية وأعطى رؤية للسنوات الثلاث المقبلة وسهل عمل الحكومة من خلال الحكومة الحالية او الحكومات المقبلة في تطبيق بنود خطاب القسم وتحويلها إلى إجراءات ونحن نعلم أن الحكومة الحالية تحظى بثقة الرئيس واللبنانيين وفيها وزراء اكفاء. لقد كانت مؤسسات الدولة جامدة وكانت الحكومة حكومة تصريف أعمال وكانت الإدارة العامة مشلولة لكن اليوم الحكومة والوزراء يعملون جهدهم لكننا لم نلمس أي نتائج بعد على أرض الواقع وانا لا اقلل من شأن عملهم وتحضيراتهم لكن لا يمكن وضع مؤشرات او توقعات بينما الوضع الامني على حاله ولم يتحسن. أن أحدث توقعات صدرت هي تلك التي صدرت عن وكالة التخطيط ستاندرد اند بورز والتي قدرت في تقريرها السنوي عن لبنان وتوقعات النمو فيه بأنه سيكون في العام ٢٠٢٥ تقريبا ٢% وفي العام التالي سيكون ٢.٨% وانا أتساءل هنا على اي اساس ستكون التوقعات افضل بالنسبة للسنة المقبلة؟ نحن لدينا حركة سياحية وتحويلات مستمرة من الخارج إلى جانب السحوبات على التعاميم والتي يقدر مجموعها بملياري دولار سنويا وهي تحسب ضمن الحركة الاستهلاكية . ان المؤشرات الأساسية والحيوية لتقدير نسبة النمو بعد ثمانية أشهر من السنة غير موجودة . لكن في بداية السنة صدر تقرير عن المعهد الدولي للتمويل قدر أنه بسبب التطورات الايجابية المتعلقة بالرئيس والحكومة كما سبق وقلنا وبسبب توقعات الإصلاحات البنيوية وسحب السلاح واحادية السلطة المركزية توقعت ان يكون النمو بنسبة ما بين ٥الى ٦% سنويا وهذا بالتزامن مع التمويل الخارجي بقروض ميسرة تبلغ ١٢مليار و٥٠٠ مليون دولار ما بين عامي ٢٠٢٥ و ٢٠٢٩ إلى جانب استثمارات عالمية واقليمية تبلغ ١٢مليار دولار بالإضافة إلى توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي. انا لا أدري اليوم اذا كنا نستطيع القول بوجود نسبة نمو ٦%في هذا العام فإلى اي مؤشرات نستند في هذه النتيجة ؟ انا اتمنى ان يكون النمو قد حقق هذه النسبة. انا اشك في ذلك في ظل عدم شفافية الاقتصاد بحيث ادى خلال العام الماضي إلى سحب وكالة التصنيف الدولية تصنيفها عن لبنان بحجة عدم وجود أرقام كافية لكي تبني عليها تصنيفها. وعن ارتباط الوضع الاقتصادي بالتطورات السياسية يقول :

في بداية العام كانت المؤشرات إيجابية جدا انطلاقا من خطاب القسم إلى تأليف حكومة والبيان الوزاري. لقد كانت ألامور إيجابية لكن من جهة أخرى تخطى الموسم السياحي منطقة الجنوب ومنطقة البقاع الغربي بسبب الأوضاع الأمنية. بشكل عام يعتبر العام ٢٠٢٥ افضل من العام الماضي لكن لا بد من استقرار أمني وسياسي والامكانات موجودة لتحقيق النمو لكن المؤشرات غير موجودة لإظهار ذلك . انا انقل هنا صورة واقعية عن الاقتصاد كما أن التصنيف المصرفي بالفريش دولار للقطاع الخاص لا يتخطى ٥٠٠ مليون دولار، بينما كان قبل الازمة في العام ٢٠١٩، 53 مليار دولار . إن القطاع المصرفي هو القطاع الوحيد الذي يصدر شهريا ميزانيته وحركته لكنه حاليا في حالة جمود بسبب الأوضاع وانشالله تتجه الأمور إلى إعادة تفعيل العمل بالقطاع . ان التسليفات حسب التقديرات حاليا هي بحدود ٥٠٠ مليون دولار فريش لذا اتمنى ان يساعد هذا الرقم الحركة الاقتصادية لكن لا توجد مؤشرات اساسية. سيأتي وفد صندوق النقد الدولي في نهاية هذا الشهر وسنرى توقعاته وماذا سيقول أيضا البنك الدولي. إن كل شيء مبني على شح المؤشرات الأساسية وعلى اقتصاد غير شفاف وهذا الأمر لا يساعد على استقطاب الاستثمارات والمشاريع بغض النظر عن الأمور الأخرى مثل بسط سلطة الدولة على كل الأراضي اللبنانيه ومكافحة الاقتصاد غير الشرعي ورفع لبنان عن اللائحة الرمادية وعن لائحة البلدان التي تشكل خطرا للاتحاد الأوروبي إلى جانب احتكار الدولة للسلاح وقرار الحرب والسلم . هذه الأمور كلها هي أولويات تؤدي إلى تعزيز الثقة لكن على صعيد الاقتصاد اليوم لا توجد مؤشرات لتكوين فكرة واضحة مبنية على زحمة السير وحركة المطاعم. لا بد من مؤشرات اساسية وحيوية وهي غير موجودة في الاقتصاد اللبناني.

مصدرالديار - جوزف فرح
المادة السابقةلا زيادات لموظفي القطاع العام
المقالة القادمةرسامني يضع حجر الاساس لتأهيل محطة قطار مار مخايل