معادلة جديدة فرضت نفسها بعد عمليات اقتحام المصارف يوم الجمعة الماضي، أرسى فيها كلّ من المودعين المقتحمين والمطالبين بودائعهم المحتجزة من جهة، والمصارف من جهة أخرى، واقعاً مختلفاً عمّا كان عليه الوضع على مدى السنوات الثلاث الأخيرة، عنوانه إنتفاضة المودعين في وجه أصحاب المصارف. لكن ما فات طرفي هذه المعادلة، وبصرف النظر عن حسابات الربح والخسارة، أن طرفاً ثالثاً، قد بات بين “فكّي كماشة”، ويتمثّل بموظفي القطاع المصرفي والذين يتجاوز عددهم ال20 ألف موظف وتُضاف إليهم عائلاتهم، ليتجاوز عدد الذين يعتاشون من هذا القطاع إلى 50 ألفاً.
وإذا كانت جمعية المصارف قد قرّرت فتح أبواب المصارف غداً الخميس، فليس من الثابت أن الموظفين سيقرّرون العودة إلى العمل، في ظلّ الخشية ومناخ القلق من تكرار مشهد نهار الجمعة، في ضوء ما يتمّ تداوله عن أن إعادة فتح المصارف، سيعرّضها للمزيد من الإقتحامات. “ليبانون ديبايت” سأل رئيس إتحاد موظفي المصارف جورج حاج، عن العودة إلى العمل غداً، فكشف أن الإتحاد يرصد موقف جمعية المصارف، على أن يتّخذ قراره في اجتماعٍ سيعقده بعد ظهر اليوم، والذي يأتي تحت عنوان تأمين سلامة الموظف وحمايته مادياً ومعنوياً وجسدياً، مؤكداً بالتالي، أن كلّ مسّ بكرامة أي موظف في القطاع المصرفي، هو مسٌّ بكرامة الإتحاد.
ولفت رئيس الإتحاد إلى أنه عند بداية الثورة في العام 2019، حصلت حوادث اقتحامٍ لبعض المصارف، ولكن الثوار لم يتعرضوا للموظفين، بل للمؤسسة التي يعتبرون أنها متواطئة مع المنظومة السياسية التي خرّبت البلد. وأضاف، أنه منذ ذلك الوقت، لا يتخطّى احتجاز المقتحمين في النظارات أياماً قليلة، قبل أن يصار إلى إطلاق سراحهم، وقد شجّع هذا الأمر غيرهم على “غزوة” المصارف للمطالبة بحقهم، علماً أنه لا يمكن لأي جهة أن تنكر هذه الحقوق وهي ودائعهم.
لكن حاج، استدرك مشدّداً على أن التحركات غير القانونية لن تحقّق هدف أصحاب الودائع، بعدما فشلت الطرق القانونية عن ذلك، بل ما سيحصل هو وضع المودع في مواجهة الموظف والمودعين الآخرين، حيث أنه من غير العادل أن يكون شتاء وصيف تحت سقفٍ واحد، لأن المودع “المسنود” يحصل على أمواله، بينما المودع غير المسنود لا يحصل على أمواله، وبالتالي، فإن الحرب على المصارف ستتحوّل إلى حربٍ على الموظفين فيها، والذين يريدون العمل بالإمكانات المتوافرة.
وبالتالي، فإن مصير الإقفال لن يتحدّد إلاّ بعد توفير بيئة آمنة وضمانات لموظفي المصارف لكي تسير الأعمال المصرفية بانتظام، كما يوضح حاج، والذي يحذّر في الوقت نفسه من التداعيات الخطيرة للسيناريو الأسوأ، وأبرزها تهديد القطاع المصرفي، إلاّ إذا كان الهدف هو تحجيم القطاع وتخفيض عدد المصارف وهي 40 اليوم، ما يعني عملياً “مجزرةً” بحق الموظفين.