هل تعيد الحرب الشاملة الثقة للقطاع المصرفي اللبناني بعد عودة المودعين الى وضع اموالهم وذهبهم في safe boxe؟

في هذه الحرب المفتوحة هل استرد القطاع المصرفي بعض ما فقده من ثقة كان يحظى بها ليس في لبنان بل في الدول العربية والاوروبية في ظل الحديث عن عودة بعض المواطنين الى وضع مجوهراتهم وذهبهم في خزائن المصارف اضمن لهم من بقائها في منازلهم المعرضة للقصف والدمار من قبل العدو الاسرائيلي.

لقد ازدادت الايداعات المصرفية بالفراش دولار خلال العام ٢٠٢٤ للاسباب ذاتها مع العلم انها محمية من مصرف لبنان ، بحيث باتت المصارف ضمانة بعد ان تعلمت درسا قاسيا بعدم اقراض الدولة .

حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري ركز على ضرورة إعادة القطاع المصرفي إلى عملية التسليف.

الدكتور نسيب غبريل كبير الاقتصاديين في بنك بيبلوس يقول حول الظاهرة الجديدة القديمة حول 
 تزايد الايداعات المصرفية الأخيرة واستئجار “safe boxes” في المصارف التجاري فيقول :هذا الخيار يعود الى المودع .

ومنذ توسع الحرب في لبنان شهدنا زيادة في الإيداعات المصرفية واستئجار البعض safe boxes لحفظ مقتنياته الثمينة كالمجوهرات وغيرها بدل الاحتفاظ بها في المنازل او الشركات. أن القسم الأكبر من الإيداعات الماليه تم تحويلها إلى الخارج ولم تبق في القطاع المصرفي اللبناني. علينا أولا أن نشير إلى نقطة هامة وهي أن المصارف اعتمدت الإجراءات الصارمة التي كانت تعتمدها سابقا من ناحية الامتثال لكل المعايير بخصوص فتح حسابات جديدة او استئجار safe boxes حتى لمن لديه حسابات داخل المصرف إذ أن مصرف لبنان كان قد اصدر منذ سنوات مضت تعميما طلب فيه من المصارف التجارية أن تتوخى الدقة المتناهية بشأن الصناديق safe boxes فقد كان العميل في فترة سابقة يستطيع أن يسجل برقم بدل الإسم كمستأجر للصندوق ولهذا قام المصرف المركزي منذ سنوات بإصدار تعميم يتشدد فيه إزاء هذا الموضوع وبوجوب وجود شفافية كاملة لمعرفة العميل الذي استأجر الـ safe box . أما النقطة الأخرى المهمة فلها علاقة بمجموعة العمل المالية لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب خصوصا بعد وضع لبنان على اللائحة الرمادية مؤخرا . لقد اصدرت مجموعة العمل هذه تقريرا لتقييم النظام المالي وتبييض الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب في أيار ٢٠٢٣ وقدمته للسلطات اللبنانيه في شهر حزيران ٢٠٢٣ . أن هذا التقرير المفصل والخاص بكل بلد يصدر عادة كل عشر سنوات وهو ليس تقريرا استثنائيا عن لبنان ، كما أنه يتألف من ٣٦٠صفحة. لقد قال هذا التقرير أن لبنان ملتزم كليا او بشكل كبير بـ ٣٤توصية من أصل ٤٠ توصية لمجموعة العمل المالية.

ان كل التوصيات التي التزم بها لبنان بشكل كامل لها علاقة بالعلاقات المصرفية او بالأحرى علاقة المصارف التجارية مع المصارف المراسلة ان بالتحاويل المالية او الأشخاص المعرضة سياسيا وإجراءات اعرف عميلك وإجراءات العلاقة بالبلدان ذات المخاطر المرتفعة وأمور أخرى مثل صلاحيات السلطة النقدية. بالخلاصة في جميع الأحوال هذا يبين أن القطاع المصرفي الرسمي تحديدا هو قطاع ملتزم بشكل كامل بالإجراءات وهو مستمر فيها حتى في ظل الظروف الحالية في البلاد ولا يوجد أي تغيير بهذا الخصوص ابدا. في الفترة الأخيرة اي بعد اشتداد الحرب وتوسعها شهدنا ارتفاعا في وتيرة الودائع واستئجار safe boxes من قبل أناس يريدون أن يضعوا موجوداتهم الثمينة في امان والـ safe boxes هو المكان الأكثر أمانا من اي مكان آخر. صحيح أيضا أن الودائع قد ارتفعت لكن قسما كبيرا منها تم تحويله إلى الخارج بعد توسع الحرب في لبنان. في النهاية كل هذا لم يغير اي شيء في الإجراءات المصرفية التي لها علاقة باعرف عميلك او التأكد من موضوع التحاويل المالية للخارج او اي شيء له علاقة بالامتثال للمعايير المطلوبة .

وحول حجم التحاويل بالفريش دولار قال غبريل: لا يوجد أرقام رسمية عن حجم الودائع بالفريش دولار لكن التقديرات تقول بأنها حوالى ٢مليار و٥٠٠ او ٧٠٠مليون دولار .

هل تعتقدون أن القطاع المصرفي قد استرد الثقة ام انه عليه إتخاذ بعض التدابير مثل عودة القروض وغيرها؟

اننا عندما نتكلم عن موضوع الثقة بالقطاع المصرفي فنقصد بأنها لن تعود باعتماد الإجراءات التقنية التي لها علاقة بالقطاع او بوزارة المال . ان الثقة تعود بفعل تطبيق الحوكمة والادارة الرشيدة في الشأن العام اي الإلتزام بالمهل الدستورية واحترام فصل السلطات واستقلالية القضاء وتطبيق القوانين إلى جانب مكافحة التهرب الضريبي والجمركي ومحاربة التهريب عبر الحدود بالاتجاهين وتقليص حجم الإقتصاد الموازي .للأسف أن كل الإجراءات التقنية لن تعيد الثقة اذا لم نعتمد الحوكمة والادارة الرشيدة والأهم سيادة حكم القانون .

وبالنسبة للقروض المصرفية متى يعود العمل بها في القطاع المصرفي؟

اننا نحتاج لسيولة إلى جانب إعتماد أجراءات او قوانين تضمن إعادة القروض بنفس العملة او الطريقة التي أعطيت بها اي أن القرض بالدولار الفريش بجب أن يعاد بالفريش دولار .

لماذا لم يعاد العمل بالقروض رغم مطالبة القطاع الخاص بذلك منذ مدة؟

رغم مطالبة القطاع الخاص بإعادة التسليف ورغم أن المصارف هي الجهة الأولى التي تريد إعادة التسليف إذ أنه المصدر الأساسي لها ومن أول مهامها تمويل القطاع الخاص والأفراد لا تمويل الدولة او الحكومة. في الحقيقة ان من سلف أصبح هو المتهم بالازمة المالية حسب السردية المتبعة اليوم والمقترض الذي هدر المال هو بريء وغير قادر على التسديد . على المصارف ان تمتنع عن تسليف الدولة إذ أن مهمتها الأساسية هي تسليف القطاع الخاص والأفراد. لكن القطاع المصرفي بحاجة إلى سيولة وهي أساسا موجودة بالإضافة إلى وضع قوانين وإجراءات تضمن استعادة الأموال المسلفة بالعملة ذاتها.

كيف سيتم تأمين السيولة؟

السيولة اصلا موجودة في مصرف لبنان إذ لديه ١٠مليار و ٣٠٠مليون دولار كاحتياطي بالعملات الأجنبية حسب بيانه الأخير في منتصف شهر أكتوبر. ان هذا المبلغ هو أقل من الاحتياطي الالزامي اي ١٤%من ٩٠مليار دولار التي تشكل الودائع بالعملات الأجنبية حسب ميزانيات القطاع ككل . أن نسبة الاحتياطي الالزامي١٤% والموجود اليوم هو أقل لكن في كل الأحوال هذه الأموال هي أموال المصارف والمودعين وبما انه لا يوجد حاليا تثبيت لسعر الصرف ولا يحتاج إلى هذه النسبة المرتفعة من الاحتياطي الالزامي اي ١٤% من الودائع بالعملات الأجنبية لذا على المصرف المركزي أن يخفض الاحتياطي الالزامي الى النسب العالمية وهي ٢ او ٣% ويحرر هذه الأموال إلى المصارف التي بدورها تمول بشكل تدريجي القطاع الخاص بحذر وتسمح للمودعين بالتصرف ولو بجزء من أموالهم كما كانوا يتصرفون به قبل الأزمة من خلال شيكات او تحاويل داخل لبنان. أن هذا الطرح كان موجودا قبل توسع الحرب لكن الآن اختلف الوضع كليا والاولوية باتت طبعا لتوقف الحرب وعودة النازحين إلى قراهم وبيوتهم. أن عملية إعادة الأعمار ستؤدي إلى حاجة اضافية لوجود تمويل للقطاع الخاص وهو لن يأتي الا عبر القطاع المصرفي رغم كل المحاولات للاطاحة بهذا القطاع ودوره نعود اليوم اليه وكما نتكلم عن الودائع والصناديق الآمنة safe boxes نتكلم أيضا عن التسليفات فقد اكتشف كل من كان يريد الاطاحة بالقطاع المصرفي واستبداله بخمس رخص جديدة بأن لا بديل عنه وان القطاع الخاص والمواطن بحاجة اليه .واعتقد ان المطلوب اليوم بعد الحرب مقاربة حديدة ان من خلال خطة النهوض الاقتصادية او من خلال اعادة هيكلة القطاع المصرفي .

مصدرالديار - جوزف فرح
المادة السابقةعبود: لا سياحة من دون استقرار أمني
المقالة القادمةالسحوبات الاستثنائيّة الجديدة: هل ستتآكل احتياطات “المركزي”؟