لاكثر من مرة اكد حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري إصراره على عدم تمويل الدولة لا بالليرة ولا بالدولار كما أكد على عدم طباعة الليرة وأنه لن يمول عجز الموازنة والسؤال المطروح هنا: كيف ستمول الحكومة هذا العجز ومن أين ستمول نفقاتها؟
هل تكفي عائدات الضرائب والرسوم لتمويل هذه النفقات؟
ماذا لو لم يتم اقرار الموازنة ولم يتم انتخاب رئيس للجمهورية وبالتالي لم يتم تطبيق الاصلاحات؟ ما هو مصير الوضع الاقتصادي والنقدي وسعر صرف الدولار؟
وقد عاود حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري التأكيد على الثوابت التي أعلنها سابقاً بعد استلامه منصب الحاكم. وكان منصوري قد أكّد خلال لقاء مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي، أنّه “لن يتم طبع ليرة لتمويل الدولة ولا استكتاب سندات خزينة، وتمويل الدولة بالدولار أمر غير وارد”. ورداً على السؤال: “هل يمكن أن نصل إلى وقت تطبع فيه الليرة اللبنانية للحفاظ على الاستقرار النقدي؟ أجاب: ” لا تقلقوا. لن يصبح هناك اي تغيير في سياسة المركزي. لا تمويل للدولة لا بالليرة ولا بالدولار ما يعني انه من ناحية المبدأ الاستقرار موجود والتأثير يكون أكثر في الدولة، أكثر منه في المركزي والمفروض في الوضع النقدي كذلك”.
وفي تعليقه على كلام منصوري قال الخبير الاقتصادي الدكتور بلال علامة في حديث للديار “في العموم فإن ما يدلي به الحاكم من تصاريح معلناً عن عدم تمويل الدولة لا بالليرة ولا بالدولار تدحضه إجراءات مصرف لبنان خلال الشهرين المنصرمين حيث تابع المصرف المركزي دفع رواتب القطاع العام بالدولار واستمر في دفع متوجبات الدعم واعتمادات استيراد المحروقات كالعادة وجميعنا يعلم بأن الدولة لا تمتلك الأموال اللازمة شهرياً وبالتالي السؤال الذي يطرح نفسه: من أين اتت الاموال وكيف استطاع الحاكم أن يؤمنها؟”
ويتابع علامة “وفق التصاريح الرسمية الصادرة عن وزير المال ووزراء في الحكومة فإن النفقات الشهرية المترتبة على الدولة تصل الى حدود مئة وثمانين مليون دولار في وقت وبالرغم من كل الزيادات التي فرضت على المواطنين كضرائب ورسوم لم تصل الإيرادات الى حدود عشرين ألف مليون أي عشرين تريليون وبتعبير أدق ربما أراد منصوري الإشارة الى أن المتوجبات الشهرية باتت مؤمنة من الإيرادات التي تجبيها الدولة ولو مرحلياً.
ووفق علامة لم ينفك منصوري يؤكد في كل تصاريحه وطبعاً في تصريحه الأخير أن كل الإجراءات التي ينفذها مصرف لبنان هي إجراءات مؤقتة هدفها تجميد الوضع بانتظار أن تعمد السلطة السياسية الى إقرار خطط وقوانين وبرامج إصلاحية تبدأ من قانون تقييد الأموال ولا تنتهي بإقرار هيكلة لقطاع المصارف بأسرع وقت ممكن حيث لا يمكن لمصرف لبنان الاستمرار طويلاً في الإجراءات التي نفذها في الشهرين الأخيرين”.
في موضوع الإجراءات المالية التي نفذها حاكم مصرف لبنان يرى علامة “أنه يحظى بتغطية سياسية لا سيما من الحكومة والمجلس النيابي فيما يبدو أنه وحيد وبدون أي تغطية سياسية في ما يطالب به السلطة السياسية بإقرار القوانين والخطط الإصلاحية المتعلقة بضرورات الإصلاح المستحيل وقبل فوات الأوان”.
و يتوقع علامة “أن يكون تهديد الحاكم بعدم تمويل عجز الموازنة بهدف الضغط على السلطتين التنفيذية والتشريعية للاسراع في إقرار الإصلاحات ولكن من المؤكد أن الحاكم تناسى أو تغافل عن الإشارة الى أنه عادة تمويل عجز الموازنة ملزم كون الموازنة تقر بقانون وتصبح ملزمة لجميع السلطات في لبنان بما فيه العجز الملحوظ.”
ويوضح علامة “عادة تعمد وزارة المالية الى إصدار سندات خزينة لبيعها في الأسواق أو تعمد الى الاستدانة من الدول والأسواق المالية التي باتت تحجم عن إعطاء لبنان أي قروض أو تسليفات أو حتى الإحجام عن شراء سندات الخزينة اللبنانية باعتبار أن لبنان بلد مفلس ومتوقف عن الدفع منذ آذار 2020 تاريخ قرار الحكومة السابقة الشهير بتوقف لبنان عن تسديد سندات اليورو بوند ومستحقاتها.”
ويقول علامة لو “أراد الحاكم البدء بالإصلاحات كما يطالب لبدأ بما هو تحت سلطته بدءاً من شركة إنترا وصولاً الى بنك التمويل المنهار ومروراً بكثير من المؤسسات والشركات المالية التي يشرف عليها بدءاً من الميدل ايست وليس أخيراً كازينو لبنان وعائداته للخزينة.
ولفت علامة إلى أن محاولة منصوري والسلطات في لبنان تعويم القطاع المصرفي من خلال استحداث دورة مصرفية جديدة بنظام الفريش والتي لو نجحت لأمكن من خلالها العودة لخلق النقود الورقية عبر تسليفات تضخ في السوق وتستعمل بعضاً منها في عملية التمويل، باءت بالفشل نتيجة انعدام الثقة بالنظام المصرفي وبالسلطة الحاكمة في لبنان”.
في المحصلة يرى علامة “أن حاكم المصرف المركزي بالإنابة وسيم منصوري يصارع الوقت بانتظار الحلول التي تبدو بعيدة حتى الآن. ففي حال عدم انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية يعيد تكوين السلطات ولملمة مؤسسات الدولة ويشرف بسرعة قياسية على عودة الانتظام الى الحياة السياسية والدستورية فلبنان سيكون على موعد مع مفرق خطر أقل ما يقال فيه تشبثوا ! لقد شارفنا على الانتهاء .”