هل سيصبح اللبنانيون من ذوي الدخل الادنى في العالم؟

بعد تراجع قيمة الرواتب لدى اللبنانيين جراء ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية التي فقدت قيمتها الى حد كبير جدا، ومع الارتفاع الجنوني للاسعار، هل بات ملحا الحديث عن ضرورة زيادة الاجور؟.

منذ ثمانية أعوام، أصبح الحد الأدنى للأجور في لبنان 675 ألف ليرة، وفي العام 2017 تم إقرار قانون سلسلة الرتب والرواتب للقطاع العام، ولكن البلد لم يكن يعاني اقتصاديا كما اليوم، فسعر صرف الليرة مقابل الدولار كان 1500، بينما اليوم وصل الدولار إلى عتبة الـ10 آلاف ليرة في السوق السوداء، ووقع التضخم وارتفعت أسعار السلع بشكل جنوني، وكذلك معدلات البطالة إلى نحو غير مسبوق، وأصبح الراتب لا يكفي ثمن الطعام او تأمين أبسط أمور الحياة، لذلك بات تعديل الرواتب ضروريا، والسؤال هل هناك قدرة على تحقيق ذلك؟.

كان الحد الأدنى للأجور 450 دولارا، أصبح اليوم في حدود الـ 90 دولارا، أي أن القيمة انخفضت حوالى 80 في المئة، كما خسرت التعويضات التي يحصل عليها الموظف بعد تقاعده قيمتها. واذا استمر ارتفاع سعر الدولار على هذه الوتيرة سيكون اللبنانيون من اصحاب الدخل الادنى في العالم.

خسرت سلسلة الرتب والرواتب لموظفي القطاع العام قيمتها، وخسر موظفو القطاع الخاص قيمة رواتبهم، وحقيقة لا يوجد شعب في العالم قادر على تحمل هذا الفارق الكبير بين الراتب وقوته الشرائية، لمدة طويلة.

الأمر الأكثر خطورة، أن أي تحريك لسعر الصرف الرسمي في مصرف لبنان قبل إعادة النظر بالرواتب سيسبب إنهيارا تاما في المجتمع اللبناني، لأن الراتب عندها لن يكفي لدفع إيجار منزل وتأمين لقمة الخبز والدواء. أي كلام في هذا الموضوع، أو أي موضوع آخر متعلق بالأمور الحياتية والاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يرزح تحتها اللبنانيون، يبقى مرهونا بتشكيل حكومة إنقاذية تقوم بالإصلاحات المطلوبة وتعمل على انتشال البلد من الازمات التي انهكت كاهله.

ماذا يقول رئيس الاتحاد العمالي الدكتور بشارة الاسمر والباحث الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة ونائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش عن هذا الموضوع؟

الاسمر
الاسمر أكد أن “الأهم في هذه المرحلة معالجة أمرين، الاول التسريع في تشكيل حكومة تساهم في ارساء الاستقرار السياسي الذي يؤدي بدوره الى استقرار اقتصادي الى حد ما من خلال الحد من ارتفاع سعر الدولار. الامر الثاني والاهم، عدم رفع الدعم عن السلع الاساسية لانه سوف يدمر القدرة الشرائية للمواطنين، اذ سترتفع الاسعار اربع مرات حدا ادنى”، لافتا الى ان “الناس تقف بالطوابير من اجل الحصول على السلع المدعومة، فكيف الحال اذا تم رفع الدعم عن الدواء وتضاعف سعره أربع مرات، بالاضافة الى القمح والمحروقات”، مؤكدا ان “واجباتنا جميعا ان نقف ضد هذا الموضوع”.

وأعلن أنه أجرى اتصالات مع الهيئات الاقتصادية “لاتخاذ موقف موحد معها ومع نقابات المهن الحرة وهيئات المجتمع المدني للتنسيق من اجل اصدار موقف فاعل مشترك لرفض رفع الدعم”، مشيرا الى الموقف الاخير للاتحاد “الذي أدى الى اعادة النظر بسلسلة من القرارات”، مؤكدا “ضرورة النزول الى الشارع وتصحيح الاجور في حال تشكلت الحكومة، لكن بعد تحقيق الاستقرار النقدي وتثبيت سعر الدولار”.

وقال: “لا احد يلتفت الى مشاكل اللبنانيين من المسؤولين بل يلتهون بالمناكفات السياسية ويتقاذفون التهم ويسعون الى المصالح الخاصة واكبر قدر من المكتسبات، ولا احد يطرح الواقع الاقتصادي الاليم الذي نعانيه. نريد حكومة تعالج الاستقرار النقدي وتمنع رفع الدعم وتسعى إلى تعديل الأجور الذي يتطلب حوارا بين ثلاث جهات، وزارة العمل وأرباب العمل والعمال”، مشيرا الى ان “هذا الموضوع واجب التنفيذ فور تشكيل الحكومة”.

وعن خطوات الاتحاد، قال: “سيكون هناك كل أسبوع تحركات حتى الوصول الى إقرار أحقية عدم رفع الدعم الذي سيوقف العجلة الاقتصادية، بالاضافة الى المطالبة بزيادة الحد الادنى للاجور والاهتمام بالمصروفين وتشديد المراقبة على الصرف التعسفي الحاصل”، موضحا أن “مهمة الاتحاد شاقة، لكن بالتعاون مع كل فئات المجتمع ومساندتهم للاتحاد الذي هو مظلة لكل العمال والموظفين في لبنان يمكننا أن نغير المعادلة”.

وأكد أن “موضوع تصحيح الأجور سيكون أولوية لدى الاتحاد وخصوصا أن هناك قطاعات مربحة، كما أن هناك قطاعات تعاني”، وقال: “عندما يتم الاستقرار النقدي نستطيع تحقيق هذا الامر، مثلما حصلنا على سلسلة الرتب والرواتب”.

ودعا الجميع الى “الالتفاف حول الاتحاد من اجل تحقيق كل هذه الاهداف حتى لا نصل الى تهجير شبابنا”، آسفا لأن “يتحول الشعب اللبناني من شعب حضاري الى شعب يلهث وراء لقمة عيشه”.

عجاقة
الباحث الاقتصادي عجاقة، اعتبر أن “نقطة البداية السليمة هي القدرة الشرائية للمواطن، التي يجب ان نحافظ عليها وتكون هم السياسات الاقتصادية بشكل يسمح للمواطن أن يعيش بكرامة طبقا لشرعة حقوق الإنسان المنصوص عليها في الأمم المتحدة”.

وأوضح أن “تحسين القدرة الشرائية يتم عبر طرق عدة: منها رفع الأجور وضبط الفلتان في الأسعار وجعل الإقتصاد منتجا عوضا عن الريعي”، مشيرا الى “ان خيار رفع الأجور هو الأسرع للتطبيق، ولذلك الاتحادات العمالية في كل البلدان تطالب بشكل دائم برفع الأجور”.

وقال: ” في لبنان، هذا الأمر سيتسبب بمشاكل في القطاعين العام والخاص. فبالنسبة إلى القطاع العام، الدولة لا تملك إيرادات لتغطية هذه الزيادة، وأي زيادة للأجور ستحول الى مصرف لبنان الذي سيضطر الى طباعة المزيد من الليرة، وهذا يؤدي تلقائيا الى التضخم، وبالتالي القضاء على القدرة الشرائية للمواطن. أما بالنسبة إلى القطاع الخاص فزيادة الاجور ممكنة، لكن هذا سيؤدي الى الاستغناء عن بعض الموظفين لتغطيتها”.

أضاف: “زيادة الأجور حاليا مضرة، وخصوصا أن الوضع المالي للدولة سيء”، مشيرا الى “تداعيات سلسلة الرتب والرواتب عام 2017 والتي كانت سلبية على الاقتصاد والمالية العامة”.

وشدد على “ضرورة العمل على الماكينة الاقتصادية التي يجب تحويلها إلى ماكينة منتجة زراعيا وصناعيا لتحسين القدرة الشرائية، وهي تتطلب وقتا. لكن يجب في هذه الفترة مراقبة الأسعار وعلى الاجهزة الرقابية أن تقوم بدورها”، مشيرا الى “جشع بعض التجار الذي يستغل عدم استقرار سعر الدولار في السوق السوداء، وهناك من يتهرب من دفع الضرائب”، معتبرا أن “ارتفاع الأسعار غير مبرر”.

وأكد أن “المسؤولية تقع على الدولة بشكل أساسي ثم على المواطن والتاجر خصوصا”، متخوفا من رفع الدعم عن السلع الأساسية “التي ستشكل كارثة اجتماعية خصوصا على صعيد الفقر”.

بكداش
من جهته، رأى بكداش أنه “من الصعب الاجابة عن إمكان زيادة الأجور لسببين، الأول أن العمال والموظفين بحاجة إلى زيادة على رواتبهم التي لم تعد تكفيهم للاستمرار بالحياة في ظل ارتفاع سعر الدولار، والسبب الثاني أن أي زيادة في الأجور ستؤدي إلى إقفال بعض المؤسسات التي تعاني أزمة اقتصادية ما يضطرها الى خفض عدد الموظفين”.

وقال: ” إن المشكلة تكمن في الدولة والدولار السياسي الذي هو تراكم أخطاء ارتكبتها الحكومات المتتالية مع معظم السياسيين، بالاضافة الى تقصير معظم المصارف. فلم نعد نتمكن من سحب أموالنا. وكما قال حاكم مصرف لبنان نحن في نفق مظلم. المهم أن تأتي حكومة شفافة تقوم بالإصلاحات وتقفل صناديق الهدر والفساد كصندوق المهجرين وصندوق الجنوب ومجلس الإنماء والإعمار والهيئة العليا للاغاثة، بالإضافة الى 5000 موظف تم توظيفهم بغير حق، وأيضا السمسرات في الإدارات وانفجار 4 آب الذي تسبب بكارثة بشرية”.

ودعا الى “نقاش بناء بين الهيئات الاقتصادية حول موضوع زيادة الأجور”، وقال: “الأفضل أن يكون البحث في هذه الزيادة بين صاحب العمل وموظفيه حسب وضع كل مؤسسة”.

وأشار إلى مشاكل قطاعي الصناعة والتجارة، وقال: “المشكلة الأكبر في السياحة، إن لم تنتعش لن تنتعش كل القطاعات. إن أكثر قطاعين منتجين هما الصناعة من خلال التصدير والسياحة من خلال السياح الذين انعدموا في لبنان بسبب الوضع الاقتصادي وجائحة كورونا. نتمنى على الحكومة العتيدة أن تأتي بوزراء نظيفي الكف يعملون على الاصلاحات المطلوبة”.

وأكد أن “القرارات الاقتصادية في لبنان سياسية، وهي التي أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه”، معتبرا أن “الدعم يجب أن يكون للاشخاص المحتاجين، فقد كانت طريقة الدعم في كل الحقبات السابقة خاطئة وفاشلة”.

مصدراميمة شمس الدين - الوكالة الوطنية
المادة السابقةمويي مركبة صغيرة تجسد القيادة الذاتية
المقالة القادمةحب الله جال على مصانع في الجنوب